ليس من باب التضخيم أو التهويل أو إلقاء الكلام على عواهنه، أن نشير إلى أنّ معضلة جائحة كورونا المستجد تُعدّ واحدة من أكبر تحدّيات القرن الحادي والعشرين، إن لم تكن أكبرها التي تجابه الدول والشعوب والأفراد، فهي أزمة ومعضلة حقيقية ومرعبة إن على مستوى حجمها أو تهديداتها أو حتى تبعاتها الحاصلة والمتوقَّعة. ورغم قساوة الآثار وسرعة حدوثها وما أحدثته من خسائر اقتصادية طالت العالم بأسره لا المملكة وحدها، فإنّ سرعة التصدي للجائحة كانت مذهلة حيث شهدنا مزامنة فورية للإجراءات الحصيفة التي وجهت بها قيادتنا الحكيمة من واقع إحساسها بالمواطنين والمقيمين على حدّ سواء، وكان تحرّكاً غير مسبوق حتى لدى الدول العظمى بحيث لم يشعر المواطن والمقيم ولا القطاع الحكومي أو الخاص بأي أثر مما يعكس فورية التعاطي الواعي مع الأزمة والسيطرة عليها بعد تطويقها وتحجيم آثارها. ومن المهم الإشارة إلى الرؤية الحصيفة والبصيرة من خادم الحرمين التي ترجمها عبر كلمته الضافية التي اتسمت بالصدق المطلق والشفافية التي بقدر ما كانت مطمئنة للجميع إلا أنها تضمنت قراءة واستشرافاً محنّكاً للأزمة وضبابية مآلاتها وما قد تفضي إليه وربما تستتبعه من مصاعب جمّة لا يعلم إلا الله حجمها وتداعياتها، موجّهاً -حفظه الله- الجميع بضرورة التعاطي الواعي مع المستقبل والاستعداد لما قد تؤول إليه الأمور، مجدّداً حرصه -أيده الله- على سياسة الدولة التي آلت على نهجها منذ عهد المؤسس وهو بذل كل ما هو متاح لصون حياة وصحة المواطن والمقيم. اليوم المملكة -كسواها من الدول- تعيش مخاضاً عسيراً في ظل التحديات المرافقة لهذا الوباء سواء تحديات جيوسياسية أو انخفاض أسعار النفط مما يستدعي وقفة حازمة صارمة تحد أو تخفف من غلواء الآثار المترتبة والمتوقعة من تداعيات كورونا اقتصادياً، فالمملكة أدارت الأزمة باقتدار وبشجاعة وسخاء غير محدود إذ أنفقت لمواجهة تداعيات هذا الفيروس الشرس ما يربو على 180 مليار ريال لدعم القطاع الصحي والقطاع الخاص والأفراد، وهو رقم ضخم جداً يضاهي ميزانيات دول مجتمعة، الأمر الذي يستدعي -كما لمسنا من حديث وزير المالية المتلفز- إعادة ترتيب أولوية بعض النفقات بحسب أهميتها لتخفيف الأثار على المالية العامة في هذا العام وأنّ توقعات منظمة الصحة العالمية تشير إلى احتمالية استمرار جهود المكافحة عالميًا لمدة قد تصل إلى عامين، وهو ما يبرر الإجراءات التي سيتم اتخاذها وفق الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها وهي «شد الحزام» لضبط وخفض النفقات لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية وهذه المرحلة الصعبة التي نمر بها والتي تعد من أقسى الأزمات التي مرت بها بلانا، وبحول الله يتم تجاوزها كما هو دأب هذه الدولة التي جابهت العديد من التحديات التاريخية وعبرتها بسلام وأمان، مع يقيننا الدائم بحرص حكومتنا الراشدة الحكيمة على أن تكون الإجراءات التي تتخذها في حدودها الدنيا التي ستراعي النفقات الضرورية، وستركز على النفقات الإضافية التي لن تؤثر في نهاية الأمر على معيشة مواطنيها الأساسية.