أنهت أسواق النفط تداولات الأسبوع الماضي ببعض التحسّن الملحوظ في المستويات السعرية لخام الإشارة برنت بمقدار 6 دولارات عند قرابة ال 26 دولاراً مقارنة بافتتاحية الأسبوع عند 19 دولاراً، الأمر الذي يجعل تحسّن معنويات السوق النفطية من العوامل الداعمة لمستويات الأسعار عقب بدء انطلاق العمل باتفاق خفض الإنتاج OPEC+ بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، كذلك بدء محاولات الدول العالمية في الانتقال من مرحلة الانغلاق الاقتصادي إلى الانفتاح على العالم بوتيرة بطيئة إلا أنها مبشّرة وتدعم المعنويات، الصعوبة التي عاشتها أسواق النفط خلال الشهرين الماضيين جاءت نتيجة الضبابية العالية في مستقبل الأسواق وعدم اليقين تجاه وجود عوامل الدعم أو تجددّها، خصوصاً ما بعد 9 مارس الماضي، زاد من حدّتها التراجع الكبير في معدلات الطلب العالمي على النفط، الأمر الذي أضاع حقيقة القاع في الأسعار وزيادة الشكوك حول الأمر، حالياً تدلف الأسواق إلى مرحلة تتميز بنسب أمان سعرية عالية مقارنة بالفترة الماضية، من حيث القدرة على تحديد منطقة الاستقرار الناتجة عن تدافع عوامل التأثير سلباً كانت أم إيجاباً، إن تعاكس التأثير بين العوامل في أسواق النفط دوماً ما يكون مساعدا في التنبؤ بالمناطق السعرية للخام بمختلف حالات التكافؤ لهذه القوى وبخلافه الخلاف. المرجّح أن تبدأ الأسواق الدخول لمراحل أكثر استقراراً بالتقادم إلا أنها قد تكون بطيئة، فيما تتوقّع منظمة OPEC أن تكون مستويات الأسعار عند متوسط ال 40 دولاراً في النصف الثاني من العام الجاري، وهيَ إن تحققّت ستكون محفزّة للتصاعد السعري بشكل أكبر مطلع العام المقبل، وعلى الرغم من عدم المشاركة الرسمية لمنتجين آخرين من خارج OPEC+ إلا أن الأسعار المنخفضة (تحت الثلاثين دولاراً) كانت كفيلة بإحداث التراجع القسري في الإنتاج، ففي كندا تتجّه شركات النفط الوطنية إلى تقليص إنتاجها بما لا يقلّ عن مليون برميل يومياً، والأمر ذاته في النرويج التي صرّحت أن الإنتاج لديها سيتمّ تخفيضه بمقدار 250 ألف برميل يومياً في يونيو المقبل و134 ألف برميل يومياً في النصف الثاني من العام الجاري 2020م، كما أوضحت وزارة النفط النرويجية في موقعها الإلكتروني أنه سيتم تأجيل بدء إنتاج عدّة حقول حتى العام 2021م، وبالتالي فإن إجمالي الإنتاج النفطي النرويجي في ديسمبر 2020م سيكون أقل بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً عمّا خططّت له الشركات في الأصل، وأن أساس التنظيم يبلغ مقداره 1.859 مليون برميل يومياً، وبذلك فإن خفض الإنتاج بمقدار 250 ألف برميل يومياً في يونيو المقبل يعطي حداً أعلى لإنتاج النفط على الجرف القارّي النرويجي الذي يبلغ 1.609 مليون برميل يومياً، كذلك الأمر في النصف الثاني من العام الجاري حيث إن خفض 134 ألف برميل يومياً يعطي حداً أعلى للإنتاج عند 1.725 مليون برميل يومياً، وبالاستناد إلى كل هذه المعطيات فإن التخفيضات الإجمالية - تقريبياً - من دول OPEC+ والمنتجين الآخرين كنداوالنرويج في شهر مايو الجاري ستكون 10.7 ملايين برميل يومياً ويونيو قرابة ال 11 مليون برميل يومياً أما النصف الثاني من العام ستكون التخفيضات المتوقعة 8.1 ملايين برميل يومياً قادمة من OPEC+ والنرويج مع عدم وضوح التخفيضات القادمة من كندا. إلى ذلك، يظهر أن الاتفاق الحالي لمجموعة OPEC+ سيكون أكثر صرامة في التطبيق عن الاتفاقات السابقة لأسباب كثيرة منها تحقيق التوازن في الأداء وتحمّل التكاليف بين جميع الأعضاء المشاركين في الاتفاق، يتأكد ذل من خلال تصريحات رئيس مؤتمر OPEC وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب الذي «أكدّ الأهمية البالغة للالتزام في مواجهة الصعوبات التي تعيق أسواق النفط وتنفيذ جميع الدول المشاركة لبنود الخفض المخصصة»، بالإضافة إلى النقلة النوعية الموفقّة للجنة JMMC الرقابية على اتفاق الخفض من حيث زيادة عدد ونوعية الأعضاء المشاركين فيها وهم (الأرجنتين - كولومبيا - الإكوادور - مصر - إندونيسيا - النرويج - ترينداد - توباغو - منتدى الطاقة الدولي) لذلك فالحضور الدولي المختلف في هذه اللجنة سينعكس في جعل أي توصيات مستقبلية أو ملحوظات تختّص بأداء الأعضاء توصيات دولية، الأمر الشبيه بالقرار الدولي في قياس الأداء العام للدول وتحديد أماكن الخلل فعلياً، إلا أن الأمر اختلف حالياً من خلال إعادة تأهيل لجنة المراقبة النفطية التي سيكون لها دور فعّال في تضييق تلك المساحات وتأطيرها ضمن أهدافها الاقتصادية البحتة التي تخدم أسواق النفط وتعزز توازنها، كما أن مبادرة الالتزام التي أبداها عدد من الأعضاء من حيث تعديلات العقود مع العملاء تنمّ عن جدّية الالتزام ببنود اتفاق الخفض، في المقابل، خرجت إلى الأسواق النفطية بعض المؤشرات غير المحفزّة من داخل الأعضاء OPEC+ كالعراقوروسيا، حيث ألمح العراق خلال اليومين الماضيين إلى عدم الاستطاعة المبدئية في التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، وقد يعود ذلك إلى انتفاء القدرة في السيطرة الكاملة على الظروف الفنيّة بقطاع النفط العراقي، أما روسيا التي تعدّ الأقوى - جنباً إلى جنب والسعودية - في اتفاق الخفض النفطي فهي أمام مهمّة قد لا تكون صعبة عليها، ولكنها غير يسيرة بخفض 2.858 مليون برميل يومياً قياساً على إنتاجها في شهر أبريل الماضي الذي بلغ 11.35 مليون برميل يومياً، وفي كلّ الظروف الفنيّة المتوقعة للاتفاق مستقبلاً تعدّ الفروقات الإنتاجية غير المطابقة للحصص الموضّحة لكل عضو منطقة سهلة لتركّز ضغط الإرادة الدولية وأبعاد أخرى ستتضّح بشكل كامل نهاية يونيو المقبل، حيث إن أي توصيات للجنة JMMC ستكون ممثّلة للرأي الاقتصادي الدولي الذي سيكون له حصّة - بطبيعة الحال - من مساحة التأثير في الشراكات الاقتصادية الدولية. وفي ذات السياق، يعتبر مطلع مايو الجاري بداية مرحلة التأثير الإيجابي في أسواق النفط وأساسياتها بخلاف الربع الأول من العام الجاري التي كانت وستظلّ لفترة قادمة منطقة الخلل الكبيرة التي تعاظمت بأسواق النفط، فإعادة هيكلة اتفاق OPEC+ وتوسيع نفوذه بمشاركة ورقابة دولية موسّعة سيحقق فاعلية التأثير المطلوبة لمواجهة الخلل بأسواق النفط، وعلى الرغم من تحسّن معنويات السواق النفطية وبدء انطلاق تقييد المعروض لمنتجي الخام، إلا أن هنالك بعض التوقعات يمكن الأخذ بها أو افتراضها بشأن عدم اليقين في مقدار التعافي بالأسواق وحجمه كذلك سرعته؛ كونها مناطق لا يمكن الجزم بها إلا بتصّور كامل ومؤكد لحجم الأداء في الاتفاق من قبل الأعضاء أي أن هنالك بعض المناطق السعرية ستكون ارتداداً للأداء، والمرجّح أن تكون غير كبيرة أو مؤثرة في ظلّ الأداء الكلّي للأعضاء إلا أنها متوقعة ويمكن الأخذ بها، ولا يمكن بأي حال التخّوف من طغيان عوامل التأثير الإيجابية على الأسواق؛ لقدرة التحّم بها وإدارتها ضمن مسار عوامل التأثير السلبية وفقاً لقوتها واستدامتها، بالإضافة إلى أن فرضيات العمل باتفاق OPEC+ وخطتها المستقبلية من حيث الوقت والحجم قابلة للتغيير والتأقلم وأية مستجدات بالأسواق أي أنها غير مؤكدة المسار، إلا أنه يمكن التنبؤ بهذا المسار مستقبلاً وضبطه بما يوائم مستجدات الأسواق وحالة تأثير الطلب العالمي فيها.