من العبارات الدوارة في وسيلة الاتصال "الواتس" قبل دخول رمضان - مثلاً - عبارة غادر المجموعة. ولا أدري ما سبب المغادرة! ولكن أقول: ليس البقاء ضمن المجموعة معصية، وليست المغادرة دليل توبة، فهذا نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه، كان يحمل هم الأمة وما عزل نفسه، وما منعه ذاك من الخروج مع أصحابه من أن يجمع الحطب لإتمام عملية الطبخ، بل لقد خرج مع صحابته في رحلة صيد انتهت بصيد أرنب، في مكان يقال له مر الظهران، والتي تعرف اليوم باسم الجموم، على طريق جدةمكة القديم. نحن للأسف تحكمنا العواطف فقد نغادر المجموعة اندفاعاً أو تقليداً لمن حولنا. يغادر بعضهم المجموعة حرصاً على نقاوة الصوم (في ظنه) وغير مرة، نام عن صلاة الظهر، وذهب إلى الأسواق - غير مضطر - في العشر الأواخر (ويعلم ما جرحتم بالنهار)؟! المغادرة من المجموعة عزلة مبطنة - ربما، ولو كانت العزلة والوحدة عبادة فقد تكون مخالطة الناس والصبر على أذاهم عبادتين، عبادة المخالطة، وعبادة الصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم"، صححه الألباني في «صحيح الترمذي». وقال الصنعاني في «سبل السلام»: «فيه أفضلية من يخالط الناس مخالطة يأمرهم فيها بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحسن معاملتهم، فإنه أفضل من الذي يعتزلهم ولا يصبر على المخالطة، والأحوال تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان». الاحتكاك مع الناس وملامسة مواقفهم وتجاربهم ليسا «شراً محضاً»، كما يقول الأصوليون: إن علينا أن نتعلم الاختلاط بجميع أنواع البشر، ونواظب على الاحتكاك المستمر بهم، إلى أن تتمهد الأجزاء غير المتساوية من عقولنا، وهذا ما لا تستطيع أن نفعله إذا كنا في عزلة عنهم. نعم يحتاج الإنسان إلى انفراده بنفسه كما قال طاؤوس: «نِعم صومعةُ الإنسان بيته»، وكما قيل: استعن على صلاح قلبك بشيء من العزلة فالقلب يفسده الزحام. ومن ذلك ما قاله الفقيه المحدث علي الجرجاني: أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام العيش لي ونما السرور وأدبني الزمان فصرت فردا وحيدا لا أزار ولا أزور إنني أعرف شخصاً عنده من المتعثرات في حياته ما يمكن أن يوزع على أربعة رجال، لكنه يخالط الناس ويحب ذلك وكأنه علاج مهني لذاته. المخالط تطيب نفسه وتشرق شمسه ويومه أفضل من أمسه.