نشرت صحيفة الرياض في رمضان 1430ه/ سبتمبر 2009م خبرًا منقولاً عن أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف عن اتجاه الأمانة إلزام العاملين بمحلات الحلاقة بلبس الكمامات، واعتماد الأدوات ذات الاستخدام لمرة واحدة، ووزعت أكثر من 200 ألف كمامة على العاملين لنشر الثقافة الصحية، وتوسعت حملات المراقبة الصحية بالأمانة لتشمل لبس الكمامات والقفازات، إضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة في المطاعم والمقاهي وكثير من الأنشطة ذات العلاقة بالغذاء. لقد كانت تلك المبادرة بداية انطلاق مبادرات متعددة، انتشرت في مناطق المملكة، وزادت من عناية الأمانات والبلديات بنشر الوقاية الصحية في المنشآت التي تقدم خدمات وأغذية للجمهور، وصولاً إلى الشفافية التي التزمت بها المطاعم مؤخراً من إظهار المطبخ الداخلي أمام الزبائن عبر زجاج، يكشف آليات الطهي ومستوى النظافة بشكل يستدعي العناية والاهتمام بهما من العاملين فيها. البلديات وأمانات المناطق ينبغي أن تكون في الواجهة عند الأزمات والكوارث والأوبئة، لأنها صمام الأمان الأول الذي يؤسس لبنية تحتية قوية في الثقافية الصحية، وتؤكد حالة كورونا أن جهود أمانة منطقة الرياض سهّلت كثيراً من مهام وزارة الصحة حالياً، وصار منظر الكمامات والقفازات منتشراً، وهو مألوف منذ أكثر من عشر سنوات، وهي ثقافة صحية نادراً ما نجدها في المقاهي والمطاعم في كثير من البلدان العربية. والداعي الآخر هو أن مهام البلديات في صحة المجتمع لا تنفصل عن الإنسان في حياته اليومية منذ ولادته حتى وفاته، ولكن يبرز دورها بشكل واضح في إدارة أزمات الأوبئة والكوارث والحروب، من خلال تعدد مهامها الأساسية المتعلقة بصحة المجتمع وأمنه وسكنه وحقه في العيش في بيئة ملائمة. ومنذ بداية أزمة كورونا في المملكة أعلنت أمانة الرياض عن مضاعفة إنتاج المعقمات والكمامات لتوزيعها على الأسر والمحلات والجهات الحكومية. وغالباً ما تكون الأوبئة مجالاً مناسباً لدراسة الصحة العامة للمجتمع، وذلك لأن الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والثقافية تكون واضحة بعد أن كانت محجوبة بسبب نمط الحياة المتداخل والتغيرات السريعة، ولأن الحياة العامة تكون في حالة سكونية، وتؤكد حالة كورونا أن التعرف على الخصائص العامة للمجتمع أكثر فاعلية من التعرف على خصائص الأفراد، وذلك بسبب الحجر المنزلي وحظر التجول الجماعي الشامل. وقد كشف قرار حظر التجول الشامل وعدم الخروج من المنزل إلا في حدود مربع الحي الذي يسكن فيه الشخص، عن حجم الاختلالات في توزيع الخدمات العامة وآليات انتشار المحلات الكبيرة والصغيرة، وتباين النقص والكثافة في نشاط دون آخر، مما يتطلب معه مراجعة آليات إصدار تراخيص المحلات وأنواع النشاط، بل وتوزع البنوك ومكائن الصرف في الأحياء. والتعامل معها بوصفها خططاً استراتيجية وأمنية تحسباً لأي كوارث وأزمات قادمة لا قدر الله. تعطي خبرات البلديات مؤشراً على الوعي الكبير بتعدد الأدوار الصحية والأمنية والاجتماعية والعمرانية المنوطة بهم، وتعكس تجربة جائحة كورونا أن أمام البلديات الكثير من التحديات المستقبلية لمراجعة السياسات في صحة المجتمع وصحة البيئة.