الأزمات والشدائد كما تُظهر معادن البشر ومواقفهم، تظهر أيضاً أصالة بعض المبادئ ورسوخها، وتكشف ضعف بعضها الآخر، رغم أنها تبدو شعارات مغرية للمسامع، براقة في ظاهرها هشة خاوية في حقيقتها وتفاصيلها الدقيقة. جائحة كورونا كانت أشبه بصفعة صعقت المجتمعات حول العالم، وأيقظت من شدتها البشرية جمعاء، واتضح أن بعض المبادئ التي روجتها العديد من المنظمات والكيانات والدول كقيم إنسانية ثابتة لا تقبل المساس، واعتبرتها نقطة انطلاق لها في سياساتها وتعاملاتها، تبيَّن أنها لا تعدو كونها أشبه بالمخدر الذي أدمنته شعوب كانت تعتقد أنها متطورة في كافة المجالات، بصفتها من دول العالم الأول. «الإنسان أولاً».. وغيره من الشعارات المنادية بحقوق الإنسان، كان يتردد صداها على مسامعنا ليل نهار، وكانت تجتاح أوروبا ودول العالم، ولكن من دون أن تتجاوز حقيقة أنها مجرد عبارات منمقة لم تختبرها الأزمات بعد، فاختفت وتلاشى مفعولها عندما اقتضت الحاجة تطبيقها وحان وقتها الفعلي، حيث تبين أنها مجرد سراب وحلم وردي استيقظ منه البعض على كابوس كورونا، والبعض الآخر سيصحو منه بعد أن تزول غمة الوباء. في الوقت الذي كنا نقول فيه: إن حق الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين يأتي على رأس أولوياتنا في مجال حقوق الإنسان، كُنا نواجه بردود وتعليقات مصحوبة بالتندر والتقليل، بل والسخرية في بعض الآحيان، ولكن هذا الأمر اختفى تماماً بعد اجتياح الجائحة، وتبين أن هذا المبدأ كان يستحق فعلاً أن يكون أولويتنا، وأن يشمل العلاج المجاني من كورونا حتى مخالفي نظام الإقامة والعمل أسوة بالمواطنين والمقيمين، في زمن تراجع فيه الاهتمام بالرعاية الصحية كحق في كثير من الدول، بل وسقط في بعضها أمام الأولوية الاقتصادية. لذلك عندما يظهر المواطنون والمقيمون ليعبروا عن ثقتهم بما تم اتخاذه من إجراءات وقائية، وخطوات عززت الأمن الغذائي، بل ويصل الأمر إلى رفض عدد من المقيمين لفكرة إجلائهم إلى أوطانهم، نثق بما لا يدع مجالاً للشك أن إدارة المملكة لأزمة كورونا تعد نموذجاً ناجحاً ومثالاً يٌحتذى به، وهذا بالمناسبة ما دعا إليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس. أخيراً، فإن الإجراءات الوقائية والاحترازية، وما نتج عنها حتى يومنا هذا، ما هي إلا ترجمة فعلية لإرادة وطن بشعبه وقيادته، وانعكاس للوعي الفردي والمجتمعي بضرورة الالتزام التام بما تم اتخاذه من إجراءات من دون تهاون أو تقصير.