تم اكتشاف سلالة جديدة من فيروس كورونا التاجي لأول مرة في ديسمبر 2019 في مدينة وهان الصينية التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة بعد تفشي حالات التهاب رئوي حاد بين سكانها دون سبب واضح. ثم انتشر الفيروس الآن إلى أكثر من 150 دولة حول العالم، الى حد وصفه بواسطة منظمة الصحة العالمية بأنه جائحة بتاريخ 11 مارس 2020. ومنذ إعلان هذه الجائحة، عكف باحثوا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) من مختلف التخصصات لمعالجة هذا التحدي العالمي الملح من خلال العمل على فهم سلالات الفيروسات التاجية (SARS-CoV-2) للمساعدة في حماية مجتمعاتنا منها. ولايزال العلماء حتى هذا الوقت يتعلمون المزيد عن هذه الجائحة الجديدة والمتطورة، حيث تعتبر البيانات والأبحاث المتاحة عن فيروس كورونا المستجد مجرد معلومات أولية. وفي اجتماع استمر يومين في فبراير الماضي، وافقت منظمة الصحة العالمية على استراتيجية بحث وتطوير لتكون بمثابة إطار لتنسيق وتسريع جهود الأبحاث العالمية لمواجهة هذا الوباء، وتحدد هذه الاستراتيجية تسع أولويات على المدى المتوسط والبعيد، والتي يمكن أن تسهم في السيطرة على تفشي الفيروس. فهم جينوم فايروس كورونا المستجد يركز باحثو كاوست على اكتشاف البنية الجينية والتكوينية لفايروس كورونا المستجد، والتي يمكن أن تمهد الطريق لتطوير لقاحات تجريبية ناجحة. يقول الأستاذ المتميز تاكاشي غوجوبوري، المدير المكلف لمركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية في كاوست : " نمتلك في مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية في الجامعة خبرة تحليل البيانات الجينومية بطريقة تعاونية، كما نمتلك الموارد المتطورة من حواسيب آلية وتحليلات متخصصة وتصوير علمي وتحليلي متقدم، فضلاً عن الخبرة لمواجهة هذا التحدي العالمي". اللقاحات ضرورية للمساعدة في وقف انتشار الفيروسات من خلال تطوير ما يعرف علمياً "بمناعة القطيع"، لكن اللقاح يمكن أن يستغرق شهورًا أو سنوات في التطوير والاختبار قبل أن يصبح متاحًا. لذلك يكرس علماء كاوست جهودهم لتحديد الجينات الرئيسية التي يمكن استخدامها للكشف عن فيروس كورونا المستجد في الحالات المصابة بهدف تطوير علاج فعال له. يقول الدكتور انتخاب علم، عالم أول في المعلوماتية الحيوية في مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية: " تطور كاوست منصة التحليل الميتاجينومية الضخمة (KMAP) لدراسة المادة الوراثية المستخرجة مباشرة من العينات البيئية لجميع أنواع الكائنات الحية، من فيروسات وبكتيريا وحيوانات ونباتات تحت جميع الظروف البيئة المختلفة". البداية من التسلسل الجينومي على الرغم من أن بدايات ظهور فيروس كورونا المستجد كانت في شهر يناير الماضي، الا أن التسلسل الجينوم للفيروس كان متاحاً في ديسمبر 2019، وهو ما مكن الدكتور انتخاب علم من استخدام منصة (KMAP) مدعوماً بالموارد الحاسوبية والأنظمة الأخرى الموجودة في مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية في كاوست للبت في دراسة البنية الوراثية للفايروس بالتفصيل. يقول الدكتور انتخاب: " نستخدم في كاوست الإمكانات المتفوقة للحاسوب العملاق شاهين مع برامج مصممه خصيصًا في الجامعة لمقارنة وتحليل الأنواع المختلفة للفيروسات التاجية، وفحص مليارات العينات البيئية بحثًا عن آثار للسلالات الجديدة. ستمكننا هذه المعلومات من تطوير مفهوم جديد ونظام متطور لتحديد الأدوية المتاحة التي تمت الموافقة عليها سابقاً للاستخدام البشري والتي يمكن إعادة استخدامها في مواجهة أي وباء جديد - في هذه الحالة فيروس (كوفيد-19). من المرجح أن يستغرق تطوير الأدوية الجديدة والموافقة عليها بعض الوقت، ولكن في حال تمكننا من إعادة استخدام الأدوية المتوفرة حالياً، نستطيع مساعدة الحالات المصابة بفيروس كورونا على الفور وزيادة حالات التعافي منه". يأمل البروفيسور تاكاشي غوجوبوري والدكتور انتخاب علم والفريق البحثي في كاوست في أن تحدد هذه الجهود الجينات الرئيسية التي يمكن استخدامها للكشف عن الفيروس ثم اقتراح الأدوية المتاحة لتقديمها للمصابين بالفيروس لحين تطوير لقاح موافق عليه من قبل منظمة الصحة العالمية. وتم طرح عملهم البحثي كأداة بحث مفتوحة تتيح الوصول إلى جميع مجموعات جينات الفيروسات التاجية (Betacoronavirus)، والبيانات ذات الصلة للعلماء حول العالم من خلال الموقع https://pangenomedb.cbrc.kaust.edu.sa جدير بالذكر أن كاوست تمتلك شراكات متميزة مع كيانات وهيئات طبية وطنية كبيرة مثل مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية، ومركز الملك فهد للبحوث الطبية في جدة، بالإضافة لمدينة الملك فهد الطبية، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، وستمكن هذه الشراكات باحثي كاوست من اختبار العلاجات الجديدة بسرعة عندما تصبح متاحة.