وباء كورونا الذي اجتاح العالم فخلّف الإصابات والوفيات ونقل الإنسان إلى عالم آخر بظروف إنسانية واقتصادية صعبة، وظروف سياسية ستكون مختلفة بعد زوال هذا الوباء بمشيئة الله. الوباء نفسه وتبعاته المؤلمة تسببا بظروف إنسانية مأساوية. ورغم التبعات الاقتصادية المدمرة إلا أن القضية بالدرجة الأولى قضية إنسانية. الضغوط النفسية الرهيبة الناتجة عن الإصابات والوفيات يعقبها خسارة الوظائف، إضافة إلى بعد كثيرين عن الأهل والأوطان. ظروف وضغوط تضع الإنسان أمام اختبارات كثيرة أهمها اختبار الإنسانية. نعم، هي قضايا متداخلة، إنسانية، اقتصادية، اجتماعية، تؤثر وتتأثر ببعضها، لكنها في المقام الأول قضية إنسانية. هذا البعد الإنساني يجعلنا نتساءل: لماذا تسارع بعض الشركات في الأخذ بخيار واحد وهو قرار إنهاء خدمات الموظفين. أليس هناك خيارات أخرى؟ أحد الخيارات مثلاً هو إجازة بدون راتب حتى انتهاء الأزمة، أو العمل عن بعد مع إجراء تخفيض على الراتب، ومنها تخفيض أيام العمل وتخفيض الراتب، وغيرها من الخيارات. ويتم العمل بتلك الخيارات بموافقة الطرفين. هذه الخيارات لا تنطبق على الشركات التي تعلن إفلاسها وتنهي أعمالها بسبب القوة القاهرة. العلاقة بين الشركة والموظف يحكمها العقد بين الطرفين، هذا أمر متفق عليه، لكن البعد الإنساني هو العنصر الأهم في هذه العلاقة وهو في صالح الطرفين. هذا الكلام قد يكون في نظر البعض كلاماً مثالياً ولا يتفق مع الواقع لكن جائحة كورونا توقظ فينا الجانب الإنساني. بينما كنت أكتب هذا المقال جاء خبر إنساني ضمن سلسلة أخبار إنسانية سابقة، حيث أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بتحمل الحكومة 60 % من رواتب السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من تداعيات فيروس كورونا. يأتي هذا القرار ضمن قرارات كثيرة وجهود متكاملة لمقاومة طوفان كورونا. المملكة تقدم إنموذجاً إنسانياً أشادت به دول ومنظمات كونه إنموذجاً يعمل تحت شعار (الإنسان أولاً). كان لمواقف المملكة الإنسانية الرائعة وقراراتها الحاسمة المبكرة الدور المهم المؤثر في تعزيز جهود الوقاية من كورونا والحد من انتشاره. هذه المواقف والقرارات لم تكن فقط لدعم الرعاية الصحية لكنها تقوم بدور اجتماعي ونفسي وتربوي وثقافي، هي مواقف وقرارات تعبر عن وطن يعي مسؤولياته ويستثمر إمكاناته لمصلحة المواطنين والمقيمين، ويمتد الدعم خارج الحدود في دور إنساني تتميز به المملكة.