من المسلم به أنّ المملكة العربية السعودية المدرسة الأولى في العالم بإدارة الحشود لما لها من الخبرة والدراية في إدارة ضيوف الرحمن من الحجاج والعُمّار الذين يفدون إليها على مدار العام، ويقفون على صعيد عرفات الطاهر بالملايين في يومٍ واحد؛ يُوفّرُ لهم الأمن والغذاء والدواء والسكن الملائم، وتوفير المختبرات المتقدمة عالية الجودة في كشف ومكافحة الأوبئة، وينفرون من عرفات إلى مشعر منى في ساعات قليلة يبيتون فيها ومن ثمَّ يؤدون بقية شعائر الحج، فإدارة الحشود مدرسة بذاتها وعلم مستقل بذاته، ذلك أن إدارة الحشود وتوجيه الكتل البشرية عملية علمية قائمة ومستمرة في المملكة العربية السعودية طوال العام سواء أكان ذلك في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، فالمملكة رائدة بكل المقاييس وهي المرجع الأول في هذا العلم، وهو من أدق وأصعب علوم الإدارة التي تتطلب تضافر عشرات الجهات الإدارية المختلفة من صحة وأمن وطرق وخدمات مختلفة، ولتمكن المملكة في هذا الجانب من الإدارة والتجربة أخضعت ذلك كله لمكافحة جائحة «كورونا»، فمنذ الأيام الأولى من ظهوره، أخذت جميع الجهات أعمالها وفق منظومة إدارية فائقة الجودة، فكل إمارات المناطق والوزارات والهيئات بادرت وفق منظومة واحدة لمكافحة الجائحة، ويظهر خادم الحرمين الشريفين - ملك المملكة العربية السعودية - سلمان بن عبدالعزيز بطمأنينته وإيمانه المسلم بالقضاء والقدر مع إيمانه ببذل الأسباب، ليُطمئن شعبه والمقيمين على أرض مملكته، ويبشّر ولا ينفّر، ويتفاءل بأن الأزمة طارئة رغم صعوبة المرحلة، قائلا في خطابه «إننا سنواجه المصاعب بإيماننا بالله وتوكلنا عليه وعملنا بالأسباب وبذل الغالي والنفيس للمحافظة على صحة الإنسان وسلامته وتوفير أسباب العيش الكريم له»، ويضيف قائلا: «نستمد العون من الله ثم من صلابتكم وقوة عزيمتكم وعلو إحساسكم بالمسؤولية الجماعية». وتضع حكومة خادم الحرمين الشريفين التدابير الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، وذلك بضخ مئة وعشرين مليار ريال لمواجهة الآثار الاقتصادية المترتبة عليه، وتضع كافة الحلول المتوقعة؛ ومن بين الحلول أن أصبح التعليم عن بعد، ووفّرت كافة الإمكانات المادية والمعنوية لوصول العلم إلى الطلاب في منازلهم، كذلك تعليق العمل الحكومي وتقليص العمل الخاص، وتوفير المسكن والمأكل والمشرب للمواطنين خارج أراضيها خلال فترة تعليق الطيران، وتأمين حجز احترازي بأفضل الفنادق والمنتجعات لجميع القادمين من خارج المملكة حتى يتم التأكد من عدم حملهم للفيروس. ومن أهم الإجراءات الاحترازية، منع التجوّل والتجمعات، ذلك أنّ الفيروس ينتقل عن طريق الملامسة؛ ومن تلك التدابير نشر ثقافة حقوق الإنسان الصحية وذلك بعقد مؤتمر صحي أمني غذائي تعليمي يتحدث فيه المتحدثون عن الإجراءات الاحترازية ضد هذا الوباء، فمن خلال عبارة «كلنا مسؤول» يتضح مدى المسؤولية المُلقاة على الجميع، فالمملكة العربية السعودية تضع الدرس الحقيقي في حقوق الإنسان من دون مواربة أو مزايدة. وفي خضم هذه الأزمة العالمية أخذت المملكة زمام المبادرة بدعوة مجموعة العشرين إلى قمة افتراضية استثنائية غير مسبوقة جمعت قادة دول مجموعة العشرين، إضافة إلى دول ومنظمات دولية وإقليمية من أجل مناقشة ما يمكن عمله ووضع الحلول المناسبة لهذا المرحلة وما بعدها، وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين في افتتاح القمة، حيث قال: «إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية ويعوّل العالم علينا للتكاتف والعمل لمواجهتها»، وما دعوة المملكة لهذه القمة إلا إدراكا منها وامتدادا لمواقفها الداعمة والإيجابية البنّاءة التي تقود إلى خير البشرية، وهذا نتاج أيضا من نتاج قدرة المملكة على إدارة الحشود بصفة استثنائية، فهذا درس في حماية حقوق الإنسان، وما أكثر الدروس السعودية في مجال حقوق الإنسان أيا كان موقع ذلك الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وديانته ولغته، فالحقوق توحد لا تفرّق، فمن الرياض تنبثق جبهة عالمية موحدة ضد فيروس «كورونا»، ويدعو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لوضع كل التدابير الحازمة والمنسّقة لكبح تداعيات الفيروس وذلك لحماية الإنسان، فهذا الدرس السعودي البليغ قد أسمع من به صمم وأعيى من به حيل.