لا يمكن إغفال القيمة المعرفية والثقافية للكتاب باعتباره وعاء للأفكار العظيمة الملهمة؛ كما أنه فضاؤنا وأفقنا الحضاري الذي من خلاله نطل على شرفات الوعي والجمال. وخطوة وزارة الثقافة في استحداث «هيئة للمكتبات» تشكّل منعطفاً ثقافياً لافتاً؛ فهي تعيد للكتاب هيبته وقيمته المعنوية. وتؤكد أن الكتاب -كأحد أهم الأقنية المعرفية- ما زال نابضاً بالحياة ويعوّل عليه الارتقاء بالفكر وتشذيب ممارساتنا وأنسنتها. استطلعت «الرياض» آراء عدد من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالكتب والمكتبات باعتبارهم ممن يحفلون ويعنون بشكل كبير في هذا الجانب عن رؤيتهم لهذه المبادرة وإنشاء هيئة المكتبات ومدى قدرتها على رسم خارطة جغرافية ثقافية نرى من خلالها مواقعنا ومواقع الآخر المُختلِف وثقافته وإدارة اختلافنا معه، ومدى انعكاسها على رأس مالنا الرمزي والمادي والمعنوي.. فإلى تفاصيل ما قالوا عن هذا الموضوع الثقافي الحيوي.. تشجيع التأليف بداية تحدث الدكتور عبدالمحسن القحطاني- الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز سابقاً وصاحب أسبوعية القحطاني الثقافية ومركز للدراسات الثقافية- قائلاً: ظل المثقفون يطالبون بوزارة للثقافة وبعد سنين تحقق لهم نصف مبتغاهم، فأضيفت الثقافة للإعلام بيد أنها تصدرت التسمية «وزارة الثقافة والإعلام» وظلت أكثر من عقد، فإذا بفرحتهم تكتمل وهم بلا شك ينتظرون ويتطلعون لنتائج هذه الاستقلالية. ويضيف: كونت هيئات لكل منشط ومنها هيئة للمكتبات، ونتعشم نحن- المثقفين- في أن تؤتي ثمارها من خلال الاهتمام بالكتاب وعاء المعرفة وحاضن الإبداع ومثبت العلم، وألا يكون مجرد كتاب في رف! بل يكون فاعلاً من التشجيع على القراءة بطرق عديدة وإعطاء الشباب حوافز تسوقهم إلى الكتاب الذي يمر بسبات بوجود وسائل التواصل الاجتماعي والتي فيها ما فيها من تلفيق للمعلومات. وتمنى القحطاني على الهيئة أن تعيد تشجيع المؤلفين السعوديين بشراء نسخ من مؤلفاتهم، حتى يكون لهم حضور داخل المملكة وخارجها، وتزويد مكتبات وزارة الثقافة بنسخ منها، فالكتاب بيعه ينحسر في المكتبات الربحية، وقال: الكتاب يحتاج إلى نظر جديد وثاب كي يصحو من غفوته القسرية، وهو لا يريد أن يدخل في هذه الغفوة ناهيك عن السبات. لملمة الشتات يستذكر محمد المزيني -الكاتب والمسؤول عن الشؤون الثقافية في مكتبة الملك فهد الوطنية- ما كتبه سابقاً في زاويته الأسبوعية في صحيفة الحياة قبل سنوات عن أهمية استحداث هيئة عامة للمكتبات تلملم شعث المكتبات العامة والخاصة وتشرف عليها وتعيد إليها قيمتها المعرفية بالتعاون مع المكتبات ذات التجربة العميقة في إدارة أوعية المعلومات كمكتبة الملك فهد الوطنية، مما سيعينها على تطوير العمل المكتبي، وترقية الذوق العام من خلال ضخ إصدارات رصينة، وتعريف بالإنتاج الفكري والأدبي والعلمي السعودي، وتدعيم حركة التأليف والنشر والترجمة، إلى غير ذلك من الأهداف التي نفتقر إليها اليوم على الرغم من قيام بعض المكتبات ومراكز المعلومات ببعضها كتلك الجهود الكبيرة التي كانت تبذلها مكتبة الملك فهد الوطنية في نشر كل ماله علاقة بالمكتبات والمعلومات، ومنشورات دارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك عبدالعزيز ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ذات القيمة الأدبية والعلمية العالية والتاريخية القيمة، ويضيف: وبما أنه قد باتت هيئة المكتبات في حكم الواقع وقد أسندت مهمتها إلى وزارة الثقافة فإن الآمال المعقودة بها واسعة وكبيرة فلعلها تسهم بوضع الحلول المناسبة كي ترفع عن كاهل هذه المكتبات تلك المعاناة المتمثلة في عدم قدرتها على تسويق مطبوعاتها القيمة التي تكدست مستودعاتها بها لأسباب جوهرية تكمن في تعدد اهتماماتها ومسؤولياتها فهي ليست دور نشر تعنى بالبيع والشراء من خلال منافذ التسويق المحلية والخارجية. وزاد: إن انشاء هيئة المكتبات جاء في وقت ملح في ظل واقع مزرٍ للمكتبات العامة في المملكة التي باتت اليوم في غيابة جب النسيان والتجاهل على الرغم من دعم الدولة لها والاهتمام بها وقد أنشأت لبعضها مباني جميلة مجهزة بما يفي بحاجاتها ومتطلباتها المتنوعة، 84 مكتبة عامة موزعة على المدن والمحافظات كانت سابقاً هي المكان المحبب للقراء وملاذ الباحثين، واليوم يعلوها الغبار. بعضها مازال في مبان مستأجرة تعاني من عوز مادي ومعنوي شح المخصصات وقلة المتخصصين ونقص حاد في أوعية المعلومات مما لا يشجع على على زيارتها والإفادة منها. ويؤمل المزيني على الهيئة أن تنتشلها من واقعها البائس، وتعيد ترتيب أولوياتها وتنظر في احتياجاتها وأن تضع لها خطة مدروسة وتربطها بالمكتبات الكبرى كمكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز ودارة الملك عبدالعزيز ومركز الملك فيصل، وتربطها بشبكة معلوماتية تقنية ولعل مشروع الفهرس السعودي الذي أعلنت عنه مكتبة الملك فهد الوطنية قبل سنوات، ولم ينته منه بعد هو الوسيلة والأداة المثلى لإعادة تنظيم المكتبات العامة وكشف النقص الذي تعاني منه، مختتماً حديثه بالقول: إن قيمة أي دولة فيما توفره من مكتبات ومراكز معلومات وقيمة الأمم تقاس بما تملكه من معارف. إعادة الصياغة واعتبر نبيل بن صامل الصامل - مدير إدارة مكتبة دارة الملك عبدالعزيز- المكتبات على مر العصور من أهم روافد الثقافة والجهة المخولة لحفظ تراث الأمم وآثارها وثقافتها، وإعادة صياغتها وبثها للمجتمع. ويقول: المملكة في رؤيتها 2030 تهدف إلى بناء مجتمع حيوي اقتصادي مزدهر ووطن طموح، والمكتبات تمثّل ركيزة مهمة في هذه الرؤية وفي تحقيق أهدافها، ومبادرة وزارة الثقافة في تعزيز دور المكتبات وتطويرها تعد من أهم الخطوات الاستراتيجية التي تحقق الهدف المنشود من الرؤية، فدور المكتبات كبير وفرد مساحة لها يعطي المجتمع بعداً ثقافياً إضافياً يمكن من خلاله تأسيس مجتمع واعٍ مدرك منفتح مع الآخرين منطلق لرحاب أوسع. ويكمل: الكتاب من أهم أوعية المعلومات التي حافظت وما زالت تحافظ على مكانتها فمهما تعددت أشكاله ووسائطه وطرق أتاحته إلا أنه يبقى أيقونة المكتبات وأهم ما يمكن أن يعير عن الهوية الثقافية للمجتمع. وبذلك يمكننا أن نقول: إن المكتبات ووجودها ودورها وإدارة المعرفة فيها واستفادة أفراد المجتمع منها يعزز من تحقيق أهداف الرؤية، ولاشك أن مكتبة دارة الملك عبدالعزيز ستكون محورًا مهما في هذا الجانب لما تملكه من مخزون متخصص يخدم الثقافة السعودية والتراث السعودي. وسيكون لتعاون الدارة ودعمها لمبادرات الوزارة الأثر الكبير في تحقيق الأهداف لتطوير المكتبات السعودية. تحسين الصورة ويعد الدكتور عبدالكريم الزيد - نائب المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة- المكتبات والكتاب والقراءة بوابة المعرفة والثقافة والارتقاء الحضاري للأمم والشعوب، وقال: كان لانطلاق الحركة التعليمية في المملكة بعد توحيدها على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عام 1344ه / 1926م، دور بارز في تأسيس المكتبات، وتعتبر المكتبة العامة بالظهران والتي أنشئت عام 1928م, من أوائل المكتبات العامة في المملكة, واستمرت مسيرة التوسع في إنشاء المكتبات على اختلاف أنواعها (عامة, جامعية, وطنية, وفقيه, متخصصة....) ليصل عدد المكتبات إلى (2329) مكتبة وذلك وفقاً لدليل المكتبات السعودية المنشور عام 1431ه. وزاد: تحتوى المكتبات السعودية على مجموعات متميزة ونادرة ومتنوعة من الكتب واوعية المعلومات يتجاوز عشرة ملايين كتاب منها مليونا كتاب في مكتبة واحدة وهي: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وحسب إحصائية اليونسكو عام 2011م, يأتي ترتيب المملكة في المركز الثاني عربياً بعد مصر, والمركز (49) دولياً في قائمة الدول الأكثر نشراً للكتب، كما تحتل المركز الأول عربياً في حجم الإنفاق على تجارة الكتب بما يقارب (500) مليون ريال سنوياً. ويتسطرد الزيد: هذا المشهد الثقافي المتطور خلال مائة عام عزز مكانة المملكة على الصعيد الثقافي والمعرفي, وتم تتويج هذا المشهد بإنشاء (هيئة المكتبات) عام 2020م، وتهدف الهيئة إلى تطوير المكتبات وتوفير بيئة محفزة للقراءة ضمن أهداف وزارة الثقافة والتي تسعى إلى إعادة هيكلة منظومة القطاع الثقافي وتشكيل أدواته الجديدة بما يحقق الارتقاء بالثقافة ويعزز جودة الحياة، ويسهم في النمو الاقتصادي وتعزيز مكانة المملكة اقليمياً ودولياً ويحقق رؤيتها. ويتساءل الزيد: كيف يمكن لهيئة المكتبات تحقيق تلك الأهداف؟ ويجيب: من المهم أن تنطلق من استراتيجية شاملة لرؤية الثقافة في المملكة, مع الأخذ في الاعتبار ما لدينا من مكتبات وبنية تحتيه عملت الدولة على تأسيسها وتطويرها على مدى مائة عام لتكون نقطة الانطلاق، ويمكن لمنظومة العمل المستقبلي لهيئة المكتبات العمل على مراجعة واقع المكتبات الحالي ومعالجة النقص في بعضها, خصوصاً من حيث المباني والتجهيزات والقوى البشرية والجوانب التنظيمية والتشغيلية. وكذلك توظيف التقنية والمحتوى الرقمي لتعزيز قدرة المكتبات على تقويم خدماتها المعرفية, والاهتمام بالكتاب الإلكتروني ورقمنه التراث السعودي. وهذا يمكن أن يضاعف المحتوى الرقمي المعرفي للمملكة على الصعيد العالمي. بالإضافة إلى دعم معارض الكتب وتطويرها وفق احتياجات المجتمع المعرفية. والتفاعل مع المحيط الإقليمي والدولي, من خلال المشاركة الفاعلة في معارض الكتب الدولية والمناسبات الثقافية من أجل التعريف بالثقافة السعودية وتقديم أنفسنا إلى الآخر بما لدينا من تراث وحضارة ومنجزات. واهتمام الهيئة بثقافة الطفل بدعم مكتبات الأطفال وتطوير النشر الخاص بالأطفال مثل: القصص والكتب المعرفية, وإنجاز برامج ثقافية موجه للأطفال تسهم في تطوير مهارات الابتكار والإبداع لديهم. وتحسين صورة المملكة في الخارج, وذلك من خلال برنامج سنوي ثقافي ومعرفي يتضمن لقاءات وندوات ومعارض متخصصة تقوم الهيئة بالتخطيط لها وإقامتها بالتعاون مع مكتبات ومؤسسات ثقافية عالمية. ولكي تحقق الهيئة تلك البرامج فإن الخطوة الأولى هي التنسيق بين المكتبات في المملكة وإعداد برنامج ثقافي موحد تشارك في تنفيذه جميع المكتبات بإشراف ومتابعة هيئة المكتبات. إعلان الاهداف ويرى فهد التميمي -باحث ومهتم بشؤون المكتبات- إن هذه مبادرة مباركة جاءت متزامنة مع المحور الأول من رؤية (2030) التي حُددت فيها قيم المجتمع الحيوي، بتوفير بيئة صالحة وخصبة للنماء والارتقاء العقلي والنفسي والوجداني، مشدداً على أنّ قيم الأفراد لا تتغيّر في مجتمع من المجتمعات إلا بتغيّر الأخلاق السائدة والعامة، والأخلاق لا تتشكّل إلا بالتربية والتعليم، ومن هنا كان الكتاب من أهم الروافد التي تحرّك هذه العجلة وتدفع بها إلى الأمام، ومن أهم المصادر المعرفية الإنسانية التي تغيّر الإدراك والتفكير والفهم والسلوك. وبواسطته حُفظ تراث الأجداد والسلف، وبقي ذخيرة حية يستزيد منها القارئ والباحث والمحقق ما شاء الاستزادة، ويستطرد: حين تستنطقه يخبرك بأسباب النهضة والخمود مستشهداً بأخبار المتقدمين مع ذكرٍ لعللهم وعبرهم، ويخبرك بأحوال الأمم الأخرى، وكيف أفادوا من حضارتنا فكانت نهضتهم، كما يُخبرك بأسباب الجمود والتراجع لتتحرّز، ويبيّن سبل التقدم واللحاق بالأوائل. مؤكداً التميمي: أنّ توفير البيئة الجيدة مدعوماً بالإعلان عن أهدافها ومواقعها المحددة، سيغيّر الصورة الذهنية لدى العوام قبل المثقفين، فيهدم حاجز الغرابة التي تنتاب البعض من الكتاب واقتنائه، ويكون ذلك بداية انفتاح بين المرء وثقافته، ثم بعد تشبّعه وامتلاكه أدوات الفهم والتفسير والتحليل والمقارنة ينطلق فينفتح على الآخر المختلف، فقد عرف ماضيه وحاضره، فوجب عليه معرفة الآخر وطرق التعامل معه ومع ثقافته وكيف يُستفاد منه؟ وهذه الخطوة الثانية جاءت تبعاً لحذق الوزارة بأهمية الكتاب وتهيئة البيئة لرواده. ويختم: نحن أمة اقرأ، فلا تقدم ولا تفوق إلا بالعلم، والكتاب وعاء العلم والعقل، وبالقراءة تحيى النفوس وتتيقظ العقول، يقول الله سبحانه:(اقرأ). فالقراءة فريضة إسلامية -كما قال العقّاد- ليست من الترف والعبث، وكلما كان ثمّة إقبال على الكتب والمؤلفين كان الإقبال على المكتبات العامة والتجارية، فيزدهر سوق الورق والوراقين ماديًّا، ويستزد المجتمع عقليًّا ونفسيًّا ومعنويًّا بالمعرفة والعلوم. تحفيز الشباب ولا ينكر محمد الحكمي- صاحب مكتبة الحكمي- دور المكتبة في تنمية الحالة الثقافية لدى فئات المجتمع وأطيافة. معتبراً هذه «الهيئة» التي استحدثتها وزارة الثقافة إنعاشاً للمكتبات باعتبارها قطاعاً -كان مهملاً ومازال- للتغلب على العقبات والتحديات التي تقف عائقاً أمامها وتسهيل ودعم هذا القطاع الحيوي المهم في جانب الثقافة والمعرفة. ويضيف: ولما تمثله المكتبات من اأهمية فإنه لابد من تطويرها وتحديثها حتى تكون قادرة على جذب شرائح قرائية جديدة من خلال التركيز على العنصر الشبابي من الجنسين لتكون المكتبة واحدة من وسائل استقطابهم وتثقيفهم وتنمية مهاراتهم. مقترحاً الحكمي على هيئة المكتبات الأخذ بآراء أصحاب المكتبات الكبيرة والصغيرة حتى تؤتي المبادرة ثمارها. المزيني: الفهرس السعودي وسيلة ناجعة التميمي: استصلاح بيئة النشر والتأليف الصامل: تعاون الدارة والوزارة يحقق التطوير الحكمي: إنعاش المكتبات يبدأ ب «الشورى» القحطاني: دعم مؤلفات الكتاب السعوديين الزيد: الانطلاق من مكتسبات 100 عام