يؤكد المشهد العام داخل المملكة منذ الإعلان عن رؤيتها للعام 2030، أنها تتغير وبشكل سريع وشامل، إذ رأت القيادة الرشيدة أن هذا التغيير لا يتحقق دون معالجة الأخطاء، وفي مقدمتها مكافحة الفساد، وملاحقة المسؤولين الفاسدين، الذين استغلوا مناصبهم ونفوذهم لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة، فلم تفرق يد العدالة بين أمير ولا ومسؤول عادي، فالجميع كانوا سواسية أمام القضاء، وليست أحداث فندق «الريتز كارلتون» ببعيدة عنا، فقد تابعها العالم عن كثب. وبالأمس، حمل بيان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بشأن القضايا التأديبية والجنائية، رسالة مهمة وعاجلة للجميع، بأن الحكومة ما زالت ماضية قدمًا في محاربة الفساد بجميع أنواعه، من أجل تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين بمختلف مستوياتهم الوظيفية، وأن هذه السياسة مستمرة ومتواصلة في ترجمة صريحة لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده - يحفظهما الله - اللذين يؤمنان بأن خطط وبرامج رؤية 2030 لا تتحقق على أرض الواقع في وجود فاسدين قادرين على إهدار الجهود المبذولة في تطوير البلاد والانتقال بها إلى عهد جديد. البيان جاء بعد فترة هدوء نسبي لم نسمع فيها عن قضايا فساد أو ملاحقة فاسدين، ومعها ظن البعض أن مثل هذه القضايا قد تراجعت أو أنها انتهت بلا رجعة، ولكن البيان فاجأ الجميع ب298 مسؤولاً فاسداً، توزعت مناصبهم في عديد من أجهزة الدولة، بما فيها الأجهزة الحساسة، مثل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ومرفق القضاء، ووصل الأمر إلى الجامعات، هؤلاء تأكد ضلوعهم في جرائم رشوة واستغلال مناصبهم ونفوذهم، في الحصول على نحو 379 مليون ريال من المال العام، وكان لا بد من محاكمتهم في هدوء تام، دون جلبة إعلامية، ومن ثم الإعلان عن النتائج. ويؤكد البيان على ثوابت الدولة في محاربة الفساد، فأمام مثل هذه القضايا لا أحد فوق المساءلة والمحاسبة، مهما كان موقعه الوظيفي، أو رتبته العسكرية، أو الجهة التي يعمل فيها سيادية كانت أم خدمية، عسكرية أو مدنية، فضلا عن أن قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم، واستعادة المال العام هدف سامٍ قررته الدولة للحفاظ على مكتسبات الوطن، واستعادتها من أيدي ضعاف النفوس والعابثين الذين استغلوا مواقعهم الوظيفية لتحقيق مصالحهم الخاصة الضيقة. يضاف إلى ما سبق أن شمول تحقيقات هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لأشخاص متقاعدين أو تركوا الخدمة لدى الدولة، يؤكد أن كل من تورط في قضية فساد لن يفلت من العقوبة حتى إن ترك وظيفته، كل هذه الثوابت مجتمعة لا تؤكد سوى أمر واحد، وهو أن المملكة تدشن عهداً جديداً من الإصلاح الشامل والعمل الجاد الذي يلفظ الفساد والفاسدين.