هل كشف فيروس كورونا الغطاء لتتضح هشاشة الأنظمة الصحية في بعض دول العالم، خصوصاً أنظمة سلسلة الإمداد الطبي (التموين الطبي)؟ بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد Coronavirus COVID – 19 والهلع من انتشاره، فقد تعرّضت العديد من دول العالم خلال الأشهر الماضية للكثير من الضغوط لتوفير احتياجات الخدمات الطبية لديها من الأقنعة الطبية والمطهرات ووسائل الوقاية من العدوى، وقد تطوّر الأمر إلى قيام بعض الدول بمنع تصدير المستلزمات الطبية العادية، مما أدى إلى نفادها من الصيدليات وأماكن البيع في الأسواق، وقد تسبب النقص الحاد في المعروض في السوق العالمي والارتفاع الكبير في أسعارها حيث قفز سعر القناع الخاص بالفيروسات في بعض الدول من نصف دولار إلى ثمانية دولارات في خلق سوق سوداء لتلك المنتجات، وتهريبها بطرق مختلفة حسبما نشرت بعض المواقع الإخبارية، وقد تأثرت جراء ذلك كافة دول العالم حتى الصناعية منها مثل أميركا وبريطانيا واليابان وكذلك الصين المصدّر الرئيس لتلك المنتجات، حيث أشارت بعض التقارير أنها تستهلك مئتي مليون قناع في اليوم الواحد. لقد أظهرت لنا الحالة الراهنة مدى الحاجة لمراجعة وتطوير أنظمة سلسلة الإمداد الطبي، من حيث التخطيط الجيد لاحتياج المنشأة الصحية وتوزيع الاحتياجات، كما ظهر جلياً الأهمية القصوى لوجود مخزون استراتيجي لبعض المنتجات إنفاذاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية. هل ساهمت العولمة وتوغل الشركات العالمية في تصاعد حدّة النقص في بعض المواد للوقاية من المرض؟ أدى النقص الحاد - على المستوى العالمي - في الكمية المعروضة من وسائل الوقاية من الأمراض إلى خلق أزمة حقيقية في دول العالم، وذلك نتيجة حظر التصدير الذي فرضته الصين بسبب حاجتها الماسة، لقد قامت معظم الشركات العالمية الأميركية والأوروبية - صاحبة تطوير تلك التكنولوجيا - بتصنيع منتجاتها في الصين لتدني أجرة العمالة، وابتغاءً لخفض تكلفة الإنتاج، وها هي الدول الصناعية تعاني الآن من النقص في الإمدادات. يعكس الوضع الراهن بعض الجوانب السلبية للعولمة، وبعض ممارسات التجارة العالمية، وتوغّل مصالح الشركات العالمية التي تركّز على خفض التكاليف مهما كانت النتائج والعواقب.. مثال ذلك حدوث النقص الذي يهدد حياة الإنسان، إضافة إلى رفع نسبة البطالة بسبب قلة الوظائف والعوائد الضريبية وغيره من المصالح التجارية. هل تودي الرؤية الوطنية إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الدوائي والصحي لتفادي مثل هذا الموقف؟ أثناء فترة عملي بالهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية، وعند إطلاق مشروع رؤية المملكة 2030، ومن خلال مشاركتي ضمن فرق العمل المطلوب منها تقديم مبادرات التحول الوطني 2020، بحكم طبيعة عملي وتخصصي وخبراتي في مجال تنظيم الدواء ووضع السياسات الصحية، فقد تقدّمت بمبادرة توطين صناعة الدواء والأجهزة الطبية في المملكة، لقد كانت تلك المبادرة من أوائل المبادرات التي اعتمدها مجلس الاقتصاد والتنمية في المملكة العربية السعودية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله -، تقديراً لأهمية تحقيق الأمن الدوائي لأي دولة من أجل ضمان توفير العلاج الضروري لمواطنيها بشكل دائم وفي كل الظروف. ترى هل تكون هذه الحالة جرس إنذار حقيقي لحاجة توطين الصناعة في كافة المجالات وبصفة خاصة المجال الطبي الذي يؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان وقدرته الإنتاجية، هذا فضلاً عن الأثر الاقتصادي الإيجابي الهائل؟! إن تحقيق ما تهدف إليه هذه الرؤية المباركة سوف يؤدي - بحول الله - إلى تفادي النقص في المخزون الاستراتيجي وغيره من الصناعات الذي ينتج عن تقلبات الاقتصاد العالمي أو الأزمات الصحية مثل تفشي فيروس كورونا في الوقت الراهن، أو في حالات الحرب مثلما حدث أثناء حرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء). حفظ الله مملكتنا الحبيبة، وجميع دول الخليج والعالم من كل مكروه وأدام على الجميع الصحة والعافية.