على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الكثير من العلماء منذ العام 1880م، سواء كان في مجال علم نفس الطفل أمثال "جيمس سولى" والباحثين في ميادين التربية بشكل عام أمثال "ايبنزركوك"، وكذلك المهتمين بالتربية الفنية ورسوم الطفل بشكل خاص، مثل "فرانز تشزك" والذي يعد الرائد الأول في الاهتمام بهذه الرسوم، وغيرهم ممن بذلوا الجهود العلمية والدراسات التي اثبتت مدى الصلة القوية بين المنتج التشكيلي للطفل وبين سماته الشخصية وسلوكه الظاهري، والتي من خلالها يتم التعرف على الدوافع الخفية التي تحرك هذا السلوك الناتج عن الفكرة الناجمة عن الشعور المدفون في طبقات اللاوعي منذ نعومة أظفاره وهذا ما يقبع خلف هذه الأنماط السلوكية للطفل.. ليأتي دور هذا المنتج التشكيلي في تفسير هذه السلوكيات وأبعادها الخفية للوصول إلى الفكرة المفاهيم المدركة خلف هذه السلوكيات الظاهرة والذي يساهم في العمل على جذور المشكلة السلوكية من الجذر الأصلي لها والذي يقبع في اللاوعي عند الطفل، تلك المفاهيم التي تشربها الطفل إما بسبب ظروف أو أشخاص أو بيئة متكاملة شكلت لديه مفاهيم مغلوطة عن ذاته أو عن العالم من حوله.. تلعب كل من الرموز التي تشمل الخط واللون والشكل والمساحة والفراغ وموقع العنصر دوراً أساسياً في تفكيك شفرات مكنونات الطفل النفسية وصراعاته الداخلية ونظرته لعالمه الداخلي أو الخارجي على حدٍ سواء حيث ذكر لنا عالم النفس النمساوي "سيغموند فرويد" أن التعبير الفني التشكيلي هو الطريق المعترف به إلى الأعماق بعد الأحلام.. إلا أنه رغم قوة هذا المنتج التشكيلي في حل واكتشاف الكثير من مشكلات الطفل على مستوى الجسد الفكري أو المادي أو المشاعري إلا أنها مازالت لا تأخذها المؤسسات التربوية على محمل الجد كمدخل ومفتاح رئيس لإدراك ما يعاني منه الطفل أو حتى ما يتمتع به من ميزات ولعل معلم التربية الفنية والمرشد الطلابي هو المخول الأول في رفع سقف وعيه في أهمية تلك المنتجات لتطوير شخصية الطفل من السلب إلى الإيجاب ومن الإيجاب إلى الإبداع.. وتعود بذور هذه المشكلة (انخفاض الوعي بأهمية المنتج التشكيلي للطفل) واعتباره مجرد شخبطة على الورق أو تشكيل في العجائن للترفيه عن الطفل إلى قصور في توعية المعلم أو المرشد بأهمية كون هذا المنتج من أوفر وأقوى المواد المتاحة لتطوير الطفل وإدراك مشاكله التي تمتد في حدودها من البيئة المدرسية إلى المجتمع ككل ومن سن الطفولة إلى سن الرشد والبلوغ حتى نصنع من هذا الجيل جيلا فاعلا واعيا بذاته وحاجاته النفسية أولاً والفكرية والمادية ثانياً لأن الجسد المشاعري هو حجر الأساس في بناء بقية الأجساد فإذا تداعى تداعت بقية الأجساد ولم يعد لوجودها معنى. وقد يقف البعض عند نقطة هل المنتج التشكيلي مقياس فعلي لكوامن الذات والبيئة باختلاف أشكالها وصورها في حال وقع تأثير التدريب الفني على مستوى المهارة، لننهي هذا السياق بما ورد عن "هامر" بهذا الشأن مشيرا إلى نتائج إحدى دارسات "وينر" التي أسفرت عن أن كلا من التدريب أو المهارة أو الميل الفني، يعمل على التسهيل بدلا من إعاقة التعبير عن الذات من خلال الرسم حيث وجد من خلال النتائج أنه لا وجود للفروق الدالة على أن هناك فرقا بين الطلبة المدربين وغير المدربين من حيث درجة دقة التشخيص الإكلينيكي لرسوم، ولا ننسى أيضا اختلاف فنون كبار الفنانين نظرا لاختلاف شخصياتهم وسماتهم وكوامنهم مثال الفرق بين أعمال الفنان" رفائيل" والفنان "بول كلي" والذي هو أقرب بطبيعة إنتاجه الفني إلى فن الطفل، فما الذي يجعل منا نقلل من منتج الطفل الفني التشكيلي ولا نضعه في عين الاعتبار سواء على صعيد التعبير الجمالي أو التعبير السيكولوجي؟. .. لذلك وجب على وزارة التعليم تكثيف الدورات التدريبية للعاملين داخل مؤسساتها أمثال معلم التربية الفنية والمرشد الطلابي وغيرهم ممن لهم علاقة بهذا المنتج التشكيلي للطفل، وتكثيف المنشورات والبرامج التوعوية بأهميته داخل المؤسسات التربوية، الذي يعمل في أصله على أصل المجتمع ولبنته الأساسية وهو (الطفل). طفل يحاكي صور الوحوش من خياله بول كلي "موت ونار" 1940