لم يعد بمقدور أي دولة أو حكومة في المنطقة أن تنتهج سياسة النأي بالذات أو اتباع منهجية الحياد حول الاضطرابات المتفاقمة في الشرق الأوسط، لا سيما أن سياسة الشر والعداء لا تزال تفرض نفسها في داخل العمق العربي عبر مشروعات استيطانية ممنهجة لدى ملالي طهران أو الخليفة المزعوم في أنقرة، ولهذا سارعت الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن إلى ضرورة تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية في هذه المنطقة عبر تأسيس كيان سياسي جامع يعبر عن رؤى موحدة وتوافقية في منهجية التصدي لأي عدوان أو عمل إرهابي!!. لا شك أن البحر الأحمر يعد ممراً حيوياً واستراتيجياً مهماً بين طرق الملاحة البحرية في العالم لأنه يشكل نقطة التقاء بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، فهو ممر مائي يفصل بين غرب آسيا وشرق أفريقيا، ويشكل أيضاً، محطة التقاء مائية بين المحيط الهندي وخليج عدن في الجنوب عبر مضيق باب المندب، وبين البحر الأبيض المتوسط وأوروبا عبر قناة السويس في الشمال، وتبعاً لهذه الأهمية الحيوية - وكخطوة استباقية - سارعت دول البحر الأحمر إلى إنشاء تكتل سياسي جغرافي يمتلك أدوات الردع والتصدي لأي محاولة أجنبية أو إرهابية تعتقد أن بمقدورها زعزعة أمن المنطقة عبر استهداف أهم ممر بحري في العالم. إن تأسيس هذه المجلس التاريخي يمنح دول الأعضاء بعداً سياسياً واقتصادياً مهماً تجاه مستقبلهم، لا سيما أن العالم يتجه في مرحلته الآنية تجاه تشكل وتآلف التحالفات الاقتصادية والسياسية التي تحفظ حقوق الدول الأعضاء، وتكفل للحكومات والشعوب الاستفادة القصوى من كل المزايا الاستراتيجية والمتاحة من خلال مواقعهم الجغرافية، فمن باب أولى أن تهتم دول البحر الأحمر بتدشين هذا الكيان الحيوي، والذي يكفل حماية الموانئ التاريخية والمطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ويزيد من كفاءتها التنافسية وقدراتها في النقل اللوجستي وسلاسل الإمداد، لا سيما وهي تمثل الشريان البحري لحركة التجارة الدولية. لا شك أن ريادة المملكة العربية السعودية وسعيها الدؤوب في تأسيس منظومة سياسية تشتمل على الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن هو خطوة رائدة وممتازة تجاه الأخطار المحدقة بمنطقتنا العربية والأفريقية، وكون الرياض تحتضن المقر الرئيسي لهذه المنظومة فهذا يمنح الدول الأعضاء ثقة بارزة في تعزيز نجاح المجلس. وأخيراً، بعض الباحثين في علوم السياسة، اعتبروا تأسيس المجلس ضربة معلم تجاه الشغب الإيراني والتحرش التركي بمنطقتنا العربية، وقطع السبيل أمام أي محاولة دولية تحاول السيطرة على أهم الممرات الدولية، ولا شك أن تدشين جمهورية مصر العربية قاعدة برنيس كقلعة استراتيجية في عمقها الجنوبي وكأكبر قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر يعطي مؤشراً إيجابياً حول نجاح المنظومة في خطواتها الأولى.