أكد أكاديمي مختص باللغة العربية أن اللغة كائن حي متطور يتسم بالنمو والتفاعل ويعتريه التغيير والتبديل وتؤثر فيه عوامل كثيرة خارجية وأخرى داخلية، وذلك في حلقة نقاش بعنوان: «اللغة العربية والتقنيات الحديثة»، ضمن فعاليات الحديقة الثقافية لملتقى مكة الثقافي «كيف نكون قدوة بلغة القرآن»، وقال الأستاذ الدكتور عبدالرحمن رجا الله السلمي مدير مركز التميز البحثي في اللغة العربية ومشرف مبادرات جامعة الملك عبدالعزيز في الملتقى: لغتنا العربية خير مثال على ذلك فهي متجددة ومتطورة وقد يؤدي عدم مسايرتها للعلوم إلى انفصال الأجيال الحديثة عن إرثها السابق بكل ما فيه من معارف وحضارات. وأضاف: في العصر الحديث ظهرت اللغويات الحاسوبية التي تعمل على استثمار ما توفره التكنولوجيا المتطورة من أجل بلورة برامج وأنظمة لأتمتة اللغات وحوسبتها. التكنولوجيا اللغوية وعرف التكنولجيا اللغوية بأنها دراسة علمية للغة الطبيعية من منظور حاسوبي.. وهذه الدراسة لا يمكن أن تتم إلا بتصميم برامج حاسوبية لأنظمة اللغات الطبيعية من خلال محاكاة نظام عمل الدماغ البشري لنظام عمل الحاسوب الآلي. واستطرد السلمي: الحاسوب آلة ذكية، تحاكي في قدرتها وظائف الإنسان وقدراته الذهنية؛ لذلك سعت التكنولوجيا اللغوية إلى محاولة تفسير كيفية اشتغال الذهن البشري في تعامله مع اللغة، معرفة واكتساباً واستعمالاً، بمعنى أنه «أصبح في إمكان الحاسوب محاكاة نمط اشتغال العقل الإنساني من خلال لغة صورية صناعية.. من هنا كان الحاسوب الركيزة الأساسية في هذا الفرع اللساني التطبيقي الحديث المتصل بالذكاء الاصطناعي باعتبار هذا الأخير يركّز على قواعد المعارف الأعمق والأشمل من قواعد البيانات، واللغة العربية استفادت منه كثيراً في إنجاز تطبيقات لغوية حققت بها قفزة نوعية؛ مما يفسّر أنه لا حل للمحافظة على اللغة، وضمان حيويتها من دون اللجوء إلى أساليب الذكاء الاصطناعي وهندسة المعرفة، سعياً إلى عالميتها ووحدتها. الذكاء الاصطناعي وتناول السلمي ما توصلت إليه بحوث الذكاء الاصطناعي إلى أن الوظيفة الأساسية للعقل البشري الذي تميزه عن العقل الحيواني، هي مقدرته على إنتاج الأنظمة الرمزية واستعمالها، والفهم اللفظي وطلاقة الكلمات والطلاقة الارتباطية والاستدلال اللفظي والذاكرة اللفظية والقواعد والتهجئة. وعلى رأس ذلك النظام الرمزي اللغوي المستعمل في: التواصل، وتمثيل المعلومة، وتخزين المعرفة، ونقلها، فقامت برامج الحاسوب على هذا الأساس. وأوضح أن التكنولوجيا اللغوية تسعى إلى الدراسة العلمية للغات الطبيعية باعتماد أنظمة وبرامج متقدمة ومتطورة، وبهذا الاعتبار فإنها تعمل على تحويل كل ما يتصل باللغة من نحو وصرف وبلاغة وعروض وأدب وغير ذلك من فروع اللغة العربية إلى صورة رقمية محوسبة، وعليه يعمل المنشغل بهذا المجال العلمي الصوري الحديث على صياغة نماذج صورية تحاكي اشتغال المَلَكة اللغوية لدى الفرد. الواقع الرقمي وتطرق السلمي إلى الواقع الرقمي الذي نعيشه وقال: العصر الذي نحيا تحت ظلاله هو عصر التفجُّر المعرفي، والانتشار الثقافي الخاطف، والعلم، والثقافة، والتكنولوجيا، والاتصال، والمعلومات، وقد أحدثت هذه التطورات بأدواتها ووسائلها تأثيراً بارزاً على مختلف مناحي الحياة اليومية للأفراد والجماعات، إلى درجة أصبح الكل يستغل نتائجها وتطبيقاتها في إنجاز عمله، وبموجب هذه الظاهرة طرأت تغيرات جذرية على مختلف الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، ومن ثمَ أصبح يعيش على إيقاع الانفجار المعلوماتي، وبذلك أصبحنا نجد صدى لتقانة الحاسوب في الإدارة، والاقتصاد، والتعليم، واللغة، وبهذا، فالحاسوب قدَّم خدمات مرنة وسخية وجليلة للإنسان في مجالات عديدة، ويُعد المجال اللغوي من أبرز تلك المجالات، وهذه الاستفادة تزداد يوماً بعد يوم. وحول الاهتمام ببناء التكنلوجيا اللغوية أضاف قائلاً: يأتي ذلك لأمور كثيرة من أهمها: نشر المعارف اللغوية بأنواعها وتيسير الوصول إليها. تسهيل عملية التواصل المعرفي والبناء العلمي للمعارف والنظريات اللغوية بين المشتغلين بالعربية. توفير الوقت والجهد على الباحثين والمتعلمين. المستقبل اللغوي وحول الرؤية حول بناء المستقبل اللغوي قال: التكنولوجيا اللغوية تحتاج إلى عمل مؤسسي منظم تقوم عليه جهات حكومية ومؤسسات خاصة معنية بالشأن اللغوي، وتمتلك القدرات البشرية والمادية. ويمكن تلمس بعض الخطوات التي من شأنها النهوض بواقع التكنولوجيا اللغوية، ومنها: مواصلة المنجزات المتحققة والاشتغال على تطويرها ومن أبرزها: برامج التوثيق وهي كل البرامج التي من شأنها استحداث وسائل تحفظ المعلومات وتسهل الوصول إليها وتبادلها وتخزينها وتصنيفها ونشرها. صناعة المعاجم الإلكترونية وتعميمها ونشرها والسعي إلى استعمالها في العلم. وكذلك الترجمات الآلية نقل المحتوى العلمي من وإلى. وبرامج تعليم العربية للناطقين بغيرها. وتجاوز الطرق التقليدية في التعليم بعيداً عن التلقين والحفظ. وهناك برامج في هذا الصدد تحتاج إلى تطوير وتحديث لمواكبة المستجدات منها المدقق الإملائي والمشكل الآلي والتعرف البصري على الحروف. التخطيط اللغوي وشدد على الاشتغال على تفعيل التخطيط اللغوي، ويعمل في شقه الكبير على إصلاح بنية اللغة وأصواتها ووظائفها وتقنين الكتابة وقواعدها، وبناء المعاجم وحماية مفردات اللغة، وتحديثها ودعم التواصل مع المجتمعات الناطقة بها. وبالرجوع إلى أدبيات هذا العلم يمكن ملاحظة أنه يشتغل على محورين: الاشتغال في محيط متن اللغة وهذا ينبري له علماء اللغة ومفكروها ويعمل على إصلاح بنية اللغة كما سبق. الاشتغال على هيكلة اللغة وتخطيطها وعادة ما يكون هذا الأمر عبر قرارات سيادية من الحكومات والهيئات الخاصة. السياسة اللغوية واختتم حديثه بجانب السياسة اللغوية وهي مجمل الخيارات والقرارات المتخذة في مجال العلاقات بين اللغة والحياة واتخاذ القرارات التي تضمن استخدام اللغة في العلم تعلماً وتعليماً. لدينا في المملكة ثلاث مؤسسات مهمة ستساعد بشكل كبير في بناء المستقبل اللغوي هي: مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية. مجمع الملك سلمان بن عبدالعزيز العالمي للغة العربية. الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي. div class="image" أ.د. عبدالرحمن رجا الله السلمي /div