استهلت اكبر مجلات السياسة الخارجية الأمريكية وهي مجلة شؤون خارجية «Foreign Affairs» عددها الذي يصدر في يناير 2005 بمقال عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في فترة رئاسة الرئيس جورج دبليو بوش الثانية لأستاذ التاريخ والعلاقات الدولية الأمريكي المعروف جون لويس جاديس. ويقدم جاديس في مقاله تقويما لأهم عناصر وتطبيقات استراتيجية الأمن القومي الأمريكي خلال فترة رئاسة جورج دبليو الأولى، ولأهم المشاكل التي واجهتها، وما يحتاج ان يقوم به جورج دبليو خلال فترة رئاسته الثانية لتطوير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي. وينطلق جاديس في تحليلاته من قناعته بأن التغييرات التي ادخلها جورج دبليو على استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وهي الأكبر منذ دخول امريكا الحرب العالمية الثانية وبأن بوش وضع امريكا والعالم على مشارف بداية نظام عالمي جديد ينبغي على بوش - في ادارته الثانية - بأن يقوم بتعريفه تعريفا محددا وبإقناع غالبية شعوب ودول العالم به. ويرى جاديس في بداية مقاله ان الهجمات التي شنها جورج دبليو بوش على القاعدة وشبكاتها منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت مؤثرة وناجحة بدليل انها حالت دون وقوع اي هجمات اخرى على امريكا خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويرى جاديس ان مبدأ الحروب الإجهاضية الذي اعتمدت عليه ادارة بوش في شن هجماتها على القاعدة وشبكاتها حول العالم سوف يستمر ويصبح احد ثوابت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي خلال الفترة القادمة لأن امريكا في حاجة اليه لحماية نفسها من اية هجمات ارهابية مستقبلية. اما النصيحة الأساسية الثانية التي قدمها جاديس لبوش في ولايته الثانية فهي ضرورة الا ينظر للعالم خلال فترة رئاسته الثانية من منظور العراق فقط، وهنا اشار جاديس الى المشاكل العديدة التي تواجهها الإدارة الأمريكية في العراق، حيث يرى جاديس ان استراتيجية الإدارة في العراق فشلت جمعيها فيما عدا الجانب المتعلق بالعمليات العسكرية التي ادت الى اسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق، فيما عدا ذلك كذبت معظم تنبؤات امريكا بخصوص فترة مابعد سقوط صدام حسين. فيما يتعلق بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط رأي جاديس ان ادارة جورج دبليو بوش الأولى نجحت في تحقيق هدفين بهذا الخصوص اولهما اثارة الجدل في اوساط المسلمين والعرب بخصوص الإرهاب ومساوئه، اما الهدف الثاني فهو انهاء الوضع القائم في الشرق الأوسط باحتلال العراق. وهنا يعبر جاديس عن اعتقاده بأن تصور ادارة جورج دبليو بوش الأولى ان العالم سوف يعيد ترتيب نفسه تلقائيا في شكل جديد يتماشى مع مصالح امريكا هو اكبر خطأ وقعت في الإدارة وأنه كان مسئولا على عدد كبير من مشاكلها خاصة في العراق، وهنا يرى جاديس ان التحدي الأكبر امام بوش في فترة رئاسته الثانية يتمثل في ان يقدم بوش للعالم رؤية واضحة للنظام الدولي الجديد الذي يريد فرضه وأن يقنع غالبية العالم بأن هذا النظام الجديد هو الوضع الأفضل لهم مثلما اقنعت امريكا العالم بعد الحرب العالمية الثانية بنظام عالمي جديد دام نصف قرن.