في خضم الثورة الاقتصادية الصناعية التحولية الكبرى التي تخوضها المملكة وقرار الحكومة الجريء بتعظيم الاقتصاد غير النفطي بعد أن هيمنت المملكة كأقوى دولة للطاقة المتكاملة لتمضي قدما بخطى واثقة لتضييق الفجوة على صادرات النفط الخام كمورد رئيس وحصرها بنسبة 50 % بحلول 2030 وهي وثاق الرؤية التي ارتبطت بولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تعهد بالتركيز الأعظم على تنمية القطاع الصناعي القائم على تنمية الإيرادات غير النفطية برفع قيمتها بنسبة 224 % لتصل إلى 530 مليار ريال في 2020، ورفع عدد المنتجات الصناعية الأساسية والتحويلية ذات القيمة المضافة من 432 منتجا إلى 516 منتجا، وزيادة إجمالي ناتج الصناعات الكيميائية والتحويلية من 252 مليون طن إلى 309 ملايين طن، ورفع حجم استثمارات القطاع الخاص البالغة 681 مليار ريال إلى 1.065 ترليون ريال بحلول 2020. إلى ذلك، أثمرت تلك الخطى الجبارة عن نقلة هائلة لقطاع التعدين وإعادة هيكلته باستراتيجية جديدة مبتكرة لرفع إسهامه في إجمال الناتج المحلي من 17 مليار دولار حاليًا إلى 64 مليار دولار حيث تشكل الاحتياطيات المحتملة للثروة المعدنية غير المكتشفة التي تصل قيمتها إلى 1,3 تريليون دولار فرصة فريدة من نوعها لقطاع التعدين عبر أكثر من 30 سلسلة قيمة معدنية. إضافة الى تعزيز فرص كبيرة لصناعات محاذية للنفط والغاز لزيادة القيمة من الصادرات بين 41 % و122 %، وهذا ما دفع الحكومة بالتعجل بإقرار إنشاء مدينة للصناعات التعدينية بمنطقة رأس الخير، وذلك بعد أن نجحت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بإنشاء وتطوير وإدارة مدينتي الجبيل وينبع والنتائج الباهرة التي توجت الجبيل الصناعية كأكبر المدن الصناعية البتروكيميائية في العالم وأكبر تجمع عالمي للطاقة المتكاملة، مما حفز الحكومة لإسناد مهمة تطوير وإدارة مدينة رأس الخير الصناعية إلى الهيئة الملكية للجبيل وينبع والتي بادرت بوضع خطة عامة لتطوير المدينة وأيضاً خطط استراتيجية لرسم الأهداف والتوسع المستقبلي مع شركائهم الاستراتيجيين في وزارة الطاقة ووزارة الصناعة والثروة المعدنية وشركة معادن. ونظراً لوقوع مدينة رأس الخير الصناعية على بعد 80 كم شمال الجبيل الصناعية تم الأخذ بعين الاعتبار التكامل الصناعي والاستراتيجي بين المدينتين. وقد أسهمت تلك المنظومة المتكاملة من التميز التشغيلي وقوة سلاسل الإمداد والتوريد والخدمات اللوجستية المبتكرة بين أكبر قلاع التعدين والبتروكيميائيات في العالم بتصعيد حجم الاستثمارات الصناعية في رأس الخير إلى 100 مليار ريال بشقيها الحكومية والقطاع الخاص الأبرز حضوراً، معززة بترسانة البنية التحتية والتجهيزات الأساسية التي أنشأتها الهيئة الملكية من الصفر إلى الإنتاج والتصدير بما فيها من تطوير أراضي صناعية وطرق وخدمات موانئ وطاقة كهربائية ومياه تصنيع ومياه التبريد وشبكات معالجة المياه بنوعيها الصناعي والصحي بالإضافة إلى ممرات الخدمات التي تسهل على المستثمرين الحصول على احتياجاتهم من الغاز الطبيعي والغازات الصناعية وغيرها من سلسلة اللقيم واتصالات التكنولوجيا الرقمية والتي جعلت من مدينة رأس الخير قلباً للصناعات التعدينية بالعالم. وفي هذا السياق، تم وضع البرنامج الصناعي الذي شمل خمس قطاعات رئيسة وهي صناعة الفوسفات وصناعة الألمنيوم وصناعة النحاس والزنك وصناعة الحديد وأيضاً الصناعات التعدينية الأخرى، ومنها صناعة الزجاج والبولي سيليكون. كما تم وضع الخطة العامة للتوسع في الصناعات التحويلية للقطاعات السابقة الذكر، وشملت المرحلة الأولى من تطوير مدينة رأس الخير الصناعية والتي تبلغ مساحتها 120 كم2، قيام مجمعي صناعة الفوسفات والذي وضع المملكة على خريطة العالم كلاعب رئيس للأمن الغذائي باعتباره ثاني أكبر مورد للأسمدة الفوسفاتية للدول الزراعية، وأيضاً مجمع الألمنيوم والذي سيكون اللبنة الأساسية للعديد من الصناعات التحويلية ومنها صناعة المحركات وقطع السيارات، وكغيرها من المدن الصناعية الكبرى تم إنشاء ميناء رأس الخير الصناعي وجُهز ببنية تحتية وأعماق بحرية تتناسب والصناعات التعدينية، كما تم إنشاء محطة تحلية رأس الخير لإمداد المدينة بما تحتاجه من الكهرباء والماء، فيما قامت الهيئة الملكية للجبيل وينبع في 2016 بتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة أرامكو السعودية وتحديث الخطة العامة لمدينة رأس الخير الصناعية لتشمل مجمع صناعي للصناعات والخدمات البحرية والذي أطلق عليه مسمى مجمع الملك سلمان العالمي للصناعية البحرية وخدماتها الذي من المخطط أن يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 63,7 مليار ريال لتتحول المملكة حينها إلى قطب أعظم للصادرات الصناعية. وسيضم المجمع منطقة لصناعة السفن العملاقة تتكون من حوضين جافين ومباني صناعية لصناعة محركات السفن بالشراكة مع شركة هيونداي بالإضافة إلى منطقة أخرى لتصنيع المنصات البحرية والحفارات، وكذلك منطقة إصلاح للسفن وصيانتها، وهنالك الجزء الخاص بسفن الإمداد البحري الذي يحتوي على عدد من المراسي الجافة ورافعات السفن الخاصة بإصلاح وبناء سفن الإمداد البحري. وسيتم العمل بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين على تطوير مجمع الملك سلمان العالمي للخدمات الصناعية البحرية بواسطة شركة أرامكو السعودية وسيتم تطوير منطقة التجمعات البحرية (Offshore Cluster) بالكامل بواسطة الهيئة الملكية بالجبيل. وتهدف المملكة من خلال التوسع في الصناعات التعدينية إلى تنويع مصادر الدخل واستغلال الثروات التعدينية بالمملكة والتي لم يستغل منها حتى الآن سوى 3 % بحسب آخر إحصائية واستحداث الفرص الوظيفية والمقدرة بنحو 91 ألف وظيفة عند اكتمال تطوير كامل المنطقة الصناعية برأس الخير والتي ستكون على مساحة 179 كم2 تقريباً، في وقت ترى الدولة قوة تنافسية عالمية هائلة للمجمعات التعدينية في مدينة رأس الخير مما يجعل من مسالة تسيد المملكة خارطة العالم لصناعة التعدين للفوسفات والألمنيوم والنحاس والزنك بقوة امراً ممكناً، في ظل ضخامة الفرص الاستثمارية المرتبطة بها التي اجتذبتها قلعة التعدين راس الخير وأبرزها صناعة علب المشروبات وقطع الغيار والتغليف من الألمنيوم وصناعة الكابلات وقطع الأجهزة المنزلية المصنعة من النحاس والزنك والألمنيوم والعديد من الصناعات المرتبطة بمواد الطاقة من المضخات والصمامات والمبادلات الحرارية وغيرها.