حتى لو توقفت الحرب التي دامت خمس سنوات، فإن الأمر سيستغرق عقودا كي يعود أطفال اليمن إلى ما قبل معاناتهم تحت نيران الحكم الانقلابي في أكثر فصول التاريخ اليمني مأساوية في العصر الحديث، إذ دمر الانقلاب الحوثي أحلام مئات الآلاف وخلَّف قتلى ومصابين ومشردين وجيل جديد من النشء المتطرف على يد ميليشيا الحوثي الذراع العسكرية الأبرز لإيران في المنطقة. الوضع المتفاقم يزداد سوءًا في ظل تعنت ميليشيا الحوثي، فقبل عام فقط أُعلِنت المجاعة في العديد من مناطق اليمن، والآن 80 % من عدد السكان البالغ 24 مليونا يواجهون نقصا شديدا في الغذاء ويعيشون على حافة المجاعة، والأطفال هم الأشد معاناة، ولكن سوء التغذية ليست الكارثة الوحيدة التي تهدد الجيل الجديد من أبناء اليمن، حيث قامت الميليشيات بتعيين مشرف اجتماعي وثقافي في كل مركز، لنشر أفكار الانقلابين الطائفية المسمومة، وتفخيخ أدمغة الأطفال، وتجنيدهم لجبهات القتال. وفي مخالفة لأبسط قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي، تستخدم الميليشيات المدارس من خلال البرامج المكثفة التي تقدمها العناصر الحوثية وتدير عملية ممنهجة لتغيير الأفكار في هذه المراكز، كما أقدمت عناصر الحوثي في وزارة التعليم على تغيير المناهج، وأصبحت المناهج الجديدة تقوم على تلقين الأطفال الطائفية وغرس قيمٍ تقوم على كراهية الآخر واعتبار العنف والقتل وسيلة حل الصراعات. ومع هذا التغيّر الفكري يخضع الطالب إلى دورات عسكرية مكثّفة يتعلم من خلالها حمل السلاح والانتظام ضمن مجموعات قتالية، ثم بعد ذلك يتم أخذ الأطفال إلى الجبهات، كما تقوم ميليشيات الحوثي بإجبار الأطفال على تناول عقاقير الهلوسة للإقدام على الأعمال العنيفة التي يكلفون بها، وتستخدم ميليشيات الحوثي وسائل أخرى لتجنيد الأطفال مثل الإغراء بالمال للطفل أو لأبويه أو سياسة الضغط والتهديد والابتزاز أحياناً أخرى. إن تجنيد الأطفال جزء من ثقافة المعركة لدى العصابات الحوثية، حيث إن الميليشيات تقوم بأخذ الأطفال إلى المراكز الصيفية الطائفية بشكل إجباري، لتنفيذ مخططاتها بغسل أدمغتهم في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها بأفكار طائفية عنصرية، واعتمدت ميليشيات الحوثي ميزانية مالية تقدر بملايين الريالات لهذه المراكز، ويعتبر تجنيد الأطفال سلاح إيراني خفي للسيطرة والنفوذ لتنفيذ مشروعها باليمن والمنطقة العربية كاملة. وفي الوقت الذي تنتشر فيه صور الجنود الأطفال لجماعة الحوثي في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تداول النشطاء صورة معبرة لجندي في قوات الأمن الخاصة اليمنية بمأرب، يرافق طفل أثناء ذهابه للمدرسة ويساعده في حمل حقيبته، الصورة التي حازت إعجاب الملايين عبرت وبشكل واضح عن الفرق بين الحكومة الشرعية والميليشيات الانقلابية، بين من يحمل مشروع للأجيال وبين من يحمل مشروع الموت، ويقتل حلم الأطفال ويأخذهم من مدارسهم إلى الجبهات. ومن جانبه، رصدت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بالتعاون مع 13 منظمة دولية، الانتهاكات الحوثية ضد الطفولة في اليمن، حيث ارتكبت الميليشيات 65 ألفا و971 واقعة انتهاك ضد الطفولة في 17 محافظة يمنية خلال الفترة من 1 يناير 2015م وحتى 30 أغسطس 2019م، كما قتلت الميليشيات خلال نفس الفترة 3 آلاف و888 طفلا بشكل مباشر، وأصابت 5 آلاف و357 طفلاً، وتسببت بإعاقة (164) إعاقة دائمة جراء المقذوفات العشوائية على الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال، فضلاً عن اختطاف (456) طفلا مازالوا في سجون الميليشيا حتى اللحظة، وتهجير 43 ألفا و608 أطفال آخرين، وتجنيد نحو 12 ألفاً و341 طفلاً للزج بهم في جبهات القتال. جدير بالذكر أن الحكومة اليمنية تتخذ جميع التدابير لإعادة تأهيل ودمج الأطفال المتضررين من الحرب بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والعمل الإنساني، ويتبنى مركز الملك سلمان للإغاثة تنفيذ مشروع انطلق من محافظة مأرب في سبتمبر 2017م، يركز على تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين في النزاع المسلح وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية وتقديم الدعم الاجتماعي لهم، وإدماجهم بالمجتمع وإلحاقهم بالمدارس ومتابعتهم، إضافة إلى تأهيلهم نفسيا واجتماعياً وإعداد دورات بهذا الخصوص لهم ولأسرهم، ليمارسوا حياتهم الطبيعية كأطفال.