استقرار الإنسان على حالة واحدة ضربٌ من خيال، كلنا مصابون وأحوالنا متقلبة بين الرخاء والشدّة، العافية والمرض، من منّا لمْ يتذوّق مرارة المرض يومًا؟ جميعنا عانينا وأدركنا أن المرض حتى في أبسط حالاته يهوي بالإنسان أرضاً، فحين نشعر بإنفلونزا بسيطة لا ننام ونحنُ نتقلّب على الفراش من فرطِ مابنا من تعبٍ. سؤالي الآن هل المرض عيب؟ هل هذا الذي يحدث بغير إرادة منّا عيب؟ أنا على يقين تام أنّ ما من إنسان عاقل سيجيب بنعم فلا خلاف في الأمر، الخلاف يدور حول الأمراض النفسية رغم ارتباطها المباشر بالأمراض الجسدية! المؤسف أن نظرة الكثير للمريض النفسي دنيئة جدًّا، دنيئة للحدّ الذي تجعل المريض يُعاني ويُقاسي دون أن يفكر للحظة في الذهاب إلى العيادة النفسية للتخلّص من المرض، للحدّ الذي تجعله لا يعترف بمرضه رغم علمه به، وإدراكه التام بالخلل الذي يشعر به، ولا أبالغ إنْ قُلت أنّ الأمر قد يصِل إلى عدم اعترافه به حتى بينه وبين نفسه! مما أدى إلى تكوين مشكلة فعلية وهي اشتداد المرض النفسي؛ لأنّ صاحبه يرفض الاعتراف به بسبب نظرة مَن حوله مِن أصدقاء وأقارب! لنُدرك بعد هذا السبب أنّ العلاج يبدأ بتغيير نظرتنا العامة عن الأمراض النفسية، وعدم تشبيهها بالجنون كما يحدث من قِبل البعض؛ فذلك سيعزّز قناعة المريض بالعلاج من خلال بثّ الطمأنينة بداخله، والتوضيح له بأنّ الأمر عارض قد يُصاب به كل مَن وقع بكارثة، أو صدمة غيرت مجرى حياته. علينا منحه الارتياح ليتمكنّ من كشف الستار والاعتراف بالمشكلة والوقوف أمامها والتصدّي لها، فحلّ أي مشكلة من وجهة نظري يبدأ بالاعتراف بها ثم القرار الصارم بمواجهتها ووضع حلول عديدة للحدّ منها أو القضاء عليها نهائيًا، أما إخفاء الأمر فغالبًا لا يزيد الإنسان إلا خسارة. أتعرف ما العيب الحقيقي؟ العيب في مَن ينظروا تلك النظرة المُجحِفة، لا أفهم كيف استطاعوا أن يفعلوا! هم الذين كرّمهم الله وعافاهم ممّا ابتلى غيرهم، كيف طاوعهم قلبهم أنْ يضيّقوا الأمر على مَن ضاقت بهم الحياة ويضاعفوا حدّة الأسى! تفاقم الأمراض النفسية له نتائج سلبية على المجتمعات؛ لذلك أرى من الضرورة الإمساك بيدِ المريض برفقٍ ومتابعة علاجه خطوة بخطوة حتى ضمان وصوله إلى برّ الأمان، الأمر لا يُحلّ بالابتعاد عنهم، أو الخوف منهم، أو السخرية! الحل يكمن بتوفير الرعاية الصحية اللازمة وبإذن المولى الأمور كلها ستصبح على مايرام.