مخطئ من يعتقد أن الإعلام مجرد قوة ناعمة، أو وسيلة مقروءة ومسموعة ومرئية، لأنه في الحقيقة، أصبح قوة ضاربة لا غنى عنها في خدمة القضايا والتوجهات والسياسات الوطنية، وربما يكون الجندي الأول في معارك الدفاع عن المكاسب والمنجزات لأي دولة.. مثّل منتدى الإعلام السعودي الدولي الأول، الذي يختتم اليوم فعالياته تحت شعار "صناعة الإعلام.. الفرص والتحديات"، بحضور كوكبة من نجوم الإعلام السعودي والخليجي والعربي والعالمي، قفزة نوعية في مسار تعاملنا مع التطورات الإعلامية المتلاحقة من حولنا، وخطوة بناءة لتجذير رؤية إعلامية ناضجة وواعية وعصرية تواكب هذا التطور المتسارع وفي نفس الوقت تعكس الاستراتيجية السعودية المنفتحة على كافة الآراء والأفكار والمقترحات البناءة التي تخدمنا وتصقل من مهاراتنا الوطنية وتجاربنا المهنية. مبعث سعادتي وفخري كأحد أبناء الحقل الإعلامي ومعاصري مسيرة الإعلام الوطني السعودي الحديث، أنه على مدار يومين، وبمشاركة قرابة 1000 من 32 دولة حول العالم يمثلون نجوماً وخبراء ومتخصصين في صناعة الإعلام، في أول حدث من نوعه بالمملكة وأكبر ملتقى من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، كانت هناك الفرصة الهائلة لاستعراض العديد من القضايا والمحاور والمتغيرات المهمة في بيئة الإعلام، التي ناقشها المنتدى، عبر جلساته الحوارية وورش عمله المتعددة ولقاءاته المفتوحة، انطلاقاً من أن صناعة الإعلام لم تعد تتشكّل في إطار محلي ضيق أو محدود.. وإنما أصبحت في فضاء عالمي فضفاض ورحب للغاية. وبمثل ما أصبحت صناعة الإعلام متقدمة جداً؛ ليس فقط في إعداد المحتوى، وإنما في استثماره لتحقيق أهداف أكبر تتجاوز الجهد الإعلامي ذاته الذي فاق في مسؤوليته النمط التقليدي المعتاد، بدخول تقنيات الإعلام الرقمي ومعها وسائل التواصل الاجتماعي على خط الإعلام الحديث، بشكل يجعل من الضروري استمزاج التجارب العالمية المتقدمة، التي استطاعت أن تتكيَّف مع هذه المتغيرات وتنجح في تجاوز الكثير من الأزمات.. بل وحققت نتائج باهرة تفوق التوقعات.. بالتوازي مع ما أنتجته وسائل التواصل في العالم العربي من نتائج -سواء بالسلب أو الإيجاب- ربما تكون فاقت ما يقدمه الإعلام التقليدي في إدارة بعض الأزمات.. وتجربتنا السعودية شعبياً بالذات في مواجهة الحملات الضارية التي استهدفتنا خلال الفترة الأخيرة خير مثال. في يقيني أن هذا المنتدى الكبير، وبهذا الشكل العالمي الرفيع، وفي هذا التوقيت جاء لتعزيز الرؤية الإعلامية التي تليق بمكانة المملكة وما وصلت إليه من ازدهار انفتاحي ملموس في شتى المجالات، وهو ما أبهر العالم، كما أن تبني فكرة المنتدى وتحويلها من مجرد "حلم" إلى واقع كان أمراً ضرورياً وملحاً نتجاوز من خلاله الإغراق في المحلية ويعزز الحضور السعودي المبهر على كافة المحاور والمستويات، بما يتوازى مع خطوات التسارع الكبير في عصر التحول الراهن بكل رؤاه واستراتيجياته الوطنية. مخطئ من كان يعتقد أن الإعلام مجرد قوة ناعمة، أو وسيلة مقروءة ومسموعة ومرئية، لأنه في الحقيقة، أصبح قوة ضاربة لا غنى عنها في خدمة القضايا والتوجهات والسياسات الوطنية، وربما يكون الجندي الأول في معارك الدفاع عن المكاسب والمنجزات لأي دولة، وأيضاً تصحيح الصور النمطية ورسم انطباعات طيبة، لا تقل أبداً عن سلاح الدبلوماسية القوي والمثير. من حقنا الآن أن نتمسك -ومن خلال النجاح الكبير لهذا المنتدى وما دار على هامشه- بدورنا الجديد الذي جعل من الرياض عاصمة مهمة للإعلام، ليس العربي فقط، لكن ربما الدولي أيضاً، ولنا أن نفخر بتلك العقول التي صنعت مثل هذ الحدث الرائع، ونتمنى أن تكون انطلاق نسخته الأولى مقدمة لنسخ أخرى فاعلة ومؤثرة نستفيد منها ومن تجربتها ونحاول تطويرها أكثر لتكون لائقة بحجم وطن كبير، وبقامة قيادة أعطت بسخاء وأطلقت العنان لكل التحولات المثيرة، وأيضاً بقيمة عقول سعودية حققت حلمها الجميل وأبدعت في أن تجمع كل هذه الرموز الإعلامية في عاصمة العرب، وتنثر عطاءها المتبادل وتعرض تجاربها العميقة لتفيد وتستفيد. في الأخير.. لا يسعني إلا تهنئة الصديق والزميل العزيز محمد بن فهد الحارثي وفريق عمله الدؤوب والمثابر، الذين قدموا جميعاً نموذجاً ل"السعودي" عندما يحلم.. وعندما ينفذ.. وعندما يريد.