قبل ما يقارب الأسبوع احتفل العالم بالذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، والوثيقة الأممية ولدت في سنة 1989 لحماية الأطفال من الاستغلال أو الإساءة، ويدخل في هذا التنمر الذي يمارسه طلاب المدارس فيما بينهم، وخصوصاً في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، والثابت في مشكلة أو ظاهرة التنمر المدرسي أنها مؤقتة ومحصورة في التعليم العام، فلم نسمع بتنمر خارج هذه الدائرة، وحالات التنمر ليست جديدة أو مستغربة، والفارق أن ثورة الاتصالات والمعلومات ساعدت في خروجها على السطح لا أكثر، والتنمر له نماذج مشابهة في السياسة بين الدول القوية والضعيفة، وفي الاقتصاد بين الدول الغنية والفقيرة، وباستخدام أدوات، من بينها، الابتزاز والضغط والتهديد والعمالة، ومن أمثلته، التنمر الإيراني على العراق وسورية ولبنان واليمن، ولعل أسوأ وأخطر أنواع التنمر هو الذي يمارس في مكان العمل، والأخير تتراوح نسبته ما بين 15 إلى 19 في المئة من إجمالي حالات التنمر، ويستغل صلاحيات وسلطات الوظيفة في الوصول لأهدافه، وأعرف على الأقل ثلاثة أشخاص تعرضوا لحالات تنمر وظيفي، وتركوا وظائفهم بالاستقالة أو بغيرها. الموضوع أكبر مما نتصور، والمؤسسات على اختلافها، وبحسب الأرقام المتوفرة، تخسر ما يقرب من 250 مليون دولار كل عام، وبمعدل 14 ألف دولار لكل موظف متنمر عليه، وتهدر أكثر من 18 مليون يوم عمل حول العالم نتيجة سلوكيات التنمر في البيئات الإدارية، وما يترتب على ذلك من تسرب وظيفي وخسارة خبرات وتراجع في معدلات الإنتاجية، بالإضافة لتكريسها مبدأ المنافسة غير الشريفة وفكرة "الشلة" الإدارية، وهناك موظف واحد من كل ستة موظفين يتعرض لتنمر مستمر في مكان العمل، وقد وجدت دراسة أسترالية أجريت العام 2008 أن التنمر ينتشر بشكل أكبر في الوظائف الصحية وفي الخدمة الاجتماعية وفي السلطة العامة، وفي بيئات العمل المغلقة القائمة على التحالفات والتكتلات غير النظيفة. المعهد الأميركي للتنمر في مكان العمل والذي يعرف اختصاراً ب(WBI) أكد بالدليل العلمي وجود أساليب شائعة لتنمر العمل أبرزها: تلفيق التهم، العزل الوظيفي، وضع العقبات في طريق الموظف المستهدف، تحريك الشائعات ضده، حرمانه من حقوقه، التضييق عليه وحمله على النقل أو الاستقالة، وإهانته على أساس الجنس أو اللهجة أو السن أو العرق أو اللغة أو الإعاقة، وأن التنمر في مكان العمل يؤدي إلى الإهمال والتغيب المتكرر، وإلى الإصابة بأمراض الضغط وجلطات الدماغ والنوبات القلبية وبنسبة 60 في المئة، ويصيب المتنمر عليهم أو عليهن بالقلق المزمن واضطرابات النوم وضعف التركيز وتقلبات المزاج والأرق، وبنسب تراوحت بين 50 إلى 70 في المئة. التنمر الوظيفي أوجد فئة من الموظفين يسمونهم أصحاب الوظائف غير المتحركة، وهؤلاء مؤهلون مهنياً وأكاديمياً، ولديهم الخبرة الإدارية والكفاءة، ولكنهم لا يمنحون ما يستحقونه من تقدير يتناسب وإمكاناتهم، لأسباب كثيرة، والمفروض أن يكونوا مشمولين بحماية الجهات المعنية، كما هي الحال في التنمر المدرسي، وتحديداً من ديوان المظالم ووزارة الخدمة المدنية والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك بإقرار تشريعات ولوائح تعاقب على المخالفات الإدارية المرتكبة بحقهم، وتمكنهم من الوصول السريع وغير المشروط لصاحب القرار الأول في مؤسساتهم.