تشكل الشركات العائلية كما أسلفنا رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني في معظم دول العالم، حيث تصل نسبة الشركات العائلية إلى ثلث الشركات الكبرى في العالم، وتساهم في توظيف أكثر من ثلث القوى العاملة والتي يبلغ إنتاجها أكثر من ثلث الناتج العالمي، وبالرغم من هذا الدور الكبير الذي تلعبه الشركات العائلية في حياة الدول والمجتمعات، إلا أنها تعاني من مشكلة قصر العمر الزمني، حيث لا تبقى الشركات العائلية قائمة إلى الجيل الثاني إلا بنسبة أقل من (30 %)، وأقل من (10 %) من الشركات تستمر حتى الجيل الثالث من العائلة، وذلك نتيجة العديد من المشكلات التي تحدث نتيجة عوامل أهمها حساسية العلاقة بين عناصر العمل المكونة من الشركة والعائلة والإدارة والتي غالبا ما تكون من أفراد الأسرة والتي من خلالها يمكن أن تلقي الخلافات العائلية بظلالها على الشركة، إضافة إلى تداخل شؤون المنشأة المالية والعائلية وغيرها، وهذا يتطلب وجود سياسات قانونية وإجراءات تنظيمية يعمل من خلالها الجميع وتحدد الحقوق والواجبات وصلاحيات الشركاء ومسؤولياتهم تجاه الشركة في سبيل تنميتها وزيادة رأس مالها وتوسيع دائرة الشركاء، لأنه من الطبيعي أن تمر أي شركة ببعض الظروف والأزمات المالية التي تستلزم من جميع الشركاء مساندة إدارة الشركة لتجاوز تلك الأزمة. ونعتقد أن خيار البقاء والمحافظة على النجاح يتطلب بعد تنظيم الشركة من الداخل، توحيد الجهود والطاقات للمحافظة على المكتسبات ومواجهة التحديات والمنافسة الخارجية، من خلال تأسيس فريق عمل محترف يشرف على أعمال الإدارة والإنتاج والتسويق ورسم السياسات العامة للشركة، تمشيا مع الفكر الاقتصادي الحديث الذي يتجه إلى فصل الملكية عن الإدارة من خلال تعيين إدارة مستقلة لقيادة الشركة بروح الفريق والعمل المؤسسي الذي يمكنه من تجاوز الصعوبات والتعقيدات الإدارية والقانونية والتمويلية والإنتاجية والتسويقية التي تواجه الشركة، ونذكر أن واحدة من أكبر الشركات العائلية الصناعية في أميركا يديرها شخص من خارج العائلة بالرغم من أن الابن الوحيد لمالك ومؤسس الشركة يعمل مهندساً في مجال الإنتاج في نفس الشركة مع أنه المالك الحقيقي بعد والده، ولكنها صناعة النجاح تبدأ من تجاوز الذات واحترام العمل المتخصص، واعتقد أن الاستثمار الحقيقي للشركات العائلية هو الاستثمار في بناء الأجيال القادرة على المحافظة على المكتسبات وتنميتها من خلال تبني الأنظمة الحديثة في الإدارة. ولا شك أن معظم الدول تحرص على استقصاء المشكلات التي يمكن أن تؤثر على سير الشركات العائلية، ومراجعة التجارب الدولية والدراسات والأبحاث المتخصصة، رغبة في الوصول إلى نموذج يلبي احتياجات مجتمع الشركات العائلية، لذا فقد وضعت وزارة التجارة والاستثمار الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية السعودية بقصد تعظيم قيمة الشركة العائلية ودورها في خدمة الاقتصاد والمجتمع وإيجاد توازن بين مصالح الشركة والشركاء، وتعريف العائلة بحقوقهم والتزاماتهم بشفافية واضحة، وقد أكد الميثاق على أهمية الحوكمة وعياً ومفهوماً وممارسة لتعزيز قيمة الشركة، واعتمد على أعلى معايير الكفاءة في إدارة الشركة للارتقاء بأدائها وسلامة نشاطاتها وتنمية مقدراتها، ووضع آليات دقيقة تضمن تخارج الشركاء بما لا يؤثر على بقاء وأداء الشركة وحقوق الموظفين أو مصلحة المساهمين والاقتصاد الوطني بشكل عام. ونخلص إلى ضرورة نقل الإدارة من جيل لآخر بطريقة تتواءم مع مراحل نمو الشركة، وهذا يتطلب تنشئة جيل يملك الثقافة التجارية والإدارية والقانونية والقدرة على متابعة مؤشرات ومدلولات حركة السوق اليومية، والاستعانة بالكوادر والكفاءات المؤهلة من خارج العائلة لإدارة هذه الشركات ومراقبة أدائها ومراحل تطورها ووضع الهيكل والتنظيم الإداري لها ومراقبة القرارات الإدارية والمحافظة على الموظفين الذين يحافظون على بقاء الشركة في السوق واستمرار نجاحها، وكذلك حماية رأس مال المنشأة من خلال مراقبة تعاقداتها، وزيادة قدرة الشركة في الحصول على التمويل المناسب، وتهيئتها للتكيف مع متطلبات التغيرات الاقتصادية وإعادة الهيكلة والاندماج والتحول إلى الشركات المساهمة والاستفادة من تجارب الشركات العائلية الناجحة.