الشهرة الزائفة لا تكتفي بإسقاط المتعالمين، ومن يدعون أنهم يمتلكون سبل المعرفة والدراية في حين أنها تستمد قوتها من خلال الاستدراج حينما يهتف الجماهير ويتفاعلون مع ما يطرح كيفما اتفق وهو في الواقع لا يحمل أي قيمة في محتواه، ضخ الكم الوافر من الإطراء يحاكي النفس ويدغدغ المشاعر، وبالتالي فإنه لا يوجد منجز يحفظ امتداد هذه الشهرة عطفاً على عدم اتكائها على مستوى ثابت وقاعدة صلبة، ما يتوافق مع المنطق والمعطيات يؤدي إلى الانسجام مع الواقع، في حين أن القفز على هذا المنوال نتيجته معروفة وهي السقوط المدوي، ولا تقف آثار الشهرة الزائفة عند هذا الحد فهي لا تتوانى في إسقاط الآخرين بصيغ مختلفة حينما تمتزج مع النسيج الاجتماعي عبر إيحاء مخادع وبهرجة مفتعلة لاسيما في حالة "الفشخرة" ومحاولة الظهور بمظهر يختلف عن الوضع الواقعي والموضوعي، وكم أسقطت هذه الأوهام من يتبناها وفقاً لسوء التقدير ليمارس التضليل والحالة تلك استدراجاً معنوياً مؤلماً، ترى ما هو الدافع وراء هذه التصرفات غير اللائقة؟ هل هو مركب نقص يعاني منه من يمارس هذا السلوك؟ وهل يعتقد أن الاحترام مرهون باللبس أو المركب أو نحوه؟ الإجابة قطعاً لا إنما الإنسان يُحترم لدماثة خلقه وحُسن تعامله والتصاقه بالأدب وأريحيته وسمعته العطرة وتواضعه وكرمه، هذه هي المقاييس الحقيقية للاحترام، كل إنسان يرغب في أن يلبس أحسن لباس، ويركب أحسن مركب، ولكن هذه وسائل وليست صفات فالوسيلة تختفي وتبقى الصفات الحميدة تشع نوراً وهي تضيء الطريق لصاحبها، ولا يعني ذلك أن يزهد في كل ما هو مرغوب بل يساير الواقع بمعزل عن إفراط يثقل كاهله وكواهل الآخرين، فمن لا يحترمني لذاتي فلا حاجة لي بلقائه ومَنْ يتشدق بأنه سافر إلى كذا ولبس كذا وركب كذا، فإن الثقافة في مفهومه لا تعدو أن تكون صفراً يضاف إلى الأصفار التعيسة التي يمتلكها، وأعني بها الوسائل التي أتاحت له العيش برفاهية ولسان حاله يقول: أنتم لا تملكون ما أملك! ولا يعلم هذا المتغابي بأن دوام الحال من المحال، في حين أن المقياس في تقويم الأشخاص يكمن في ماذا تملك؟ لا كم تملك؟ فإن قلت إنك تمتلك الملايين وتفتقر إلى الأخلاق فإن ما تمتلكه صفراً تعيساً بحجم رأسك المنتفخ، في ظل غياب الرؤية الواقعية المتزنة يتضاءل دور الحكمة في هذا السياق معجلاً هذا الغياب في السقوط، ولذلك قيل: "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه" فحينما يمنح الإنسان نفسه قدراً أقل أو أعلى مما تستحق فإنه يظلمها، إما بالزج بها في أتون المخالفات، أو يبخسها حقها في مسألة التقليل من شأنها ويقول المثل المصري الدارج: "يا بخت من بكاني وبكى عليّ ولا من ضحكني وضحك الناس عليّ" مجسداً هذا المثل واقع الحال من خلال التصنيف فمن بكاك وبكى عليك فإنه صدقك، وأما من ضحكك وضحك الناس عليك فهو خدعك واستغلك واستغفلك، وكلا الأمرين أحلاهما مر وإن كان البكاء مع الصدق خير من الضحك مع الخداع، مراعاة مشاعر الآخرين تسمو بالأخلاق الجميلة وتحلق بها نحو آفاق الإدراك المعرفي الواسع والإحاطة الأدبية الشاملة، رحم الله الكاتب القدير الأستاذ فهد العريفي وأسكنه فسيح جنانه تعلمنا من فكره النير وروائع أدبه وخفة ظله الكثير ومن خلال زاويته الشهيرة حدود المحبة في مجلة اليمامة آنذاك وإن كانت محبتنا لأبي عبدالعزيز ليس لها حدود ذلك الرجل الوطني المخلص لوطنه وأبناء وطنه وبناته وأسلوبه الفريد في مزج الواقع بالدعابة اللطيفة، حيث ذكر رحمه الله أنه ذات يوم وقع له حادث بسيط بالسيارة والوقت ليلاً وكان الطرف الآخر شاباً مستهتراً متهورًا فنزل من مركبته متبختراً وقال هذه فلوس التصليح على الكبوت وصوت الأغنية يصدح بصوت عالٍ من داخل السيارة الليل من فرحه عريس ولاندري هل هو عريس أم مريس، رحمك الله أستاذي الفاضل وعفا عنك وغفر لك إنه على كل شيء قدير.