خلال العامين 2017-2018، كان العالم يخوض تجربة صعبة وتقلبات اقتصادية أسهمت في تعقد عملية استقطاب الاستثمارات الأجنبية، لعل أبرز هذه التقلبات احتدام حدة الصراع بين قطبي الاقتصاد العالمي، وارتفاع الحمائية، وطلب أميركا من كبرى الشركات الأميركية إعادة الاستثمار في أميركا. علاوة على ذلك، فرضت 55 دولة واقتصادًا ما يقرب من 112 تشريعًا وإجراءً من شأنها تقييد الاستثمارات، خصوصًا تلك الاستثمارات التي تتعلق بالمسائل الأمنية، وما من شأنه تملك الأجنبي للهياكل الأساسية والحيوية والأصول التجارية الحساسة في تلك الدول، حيث قامت 11 دولة بإعداد آليات لفحص الاستثمار الأجنبي. فقد أظهر تقرير الاستثمار الصادر عن (UNCTAD) للعام 2018م، تراجع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي عام 2018م – وللسنة الثالثة على التوالي - 13%؛ حيث وصل إلى 1.3 تريليون دولار. هذه التدفقات أظهرت انخفاضًا كبيرًا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول المتقدمة، ولكن الدول النامية ارتفعت فيها هذه التدفقات 2%، وكانت نسبة الارتفاع الأكبر في دول قارة إفريقيا ب11%. ولمواجهة هذه التحديات والتقلبات، تتنوع وسائل وطرق الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية. من هذه الوسائل والطرق إنشاء ما يسمى (المناطق الاقتصادية الخاصة)؛ حيث أنشأت 147 دولةً واقتصادًا ما يقارب من 5400 منطقة اقتصادية خاصة - كان عددها قبل خمس سنوات مضت 4000 منطقة - هذه المناطق اختلفت طبيعتها، ولكن الأكثر شيوعًا في الدول المتقدمة هو «المناطق الحرة التجارية»، التي تركز على الخدمات اللوجستية والتجارية بشكل أكبر، أما الدول النامية فكان التركيز فيها على «المناطق المتكاملة الرامية إلى التنمية الصناعية». أبرز هذه المناطق كان في الصين في مدينة «شنتشن»، بداية الثمانينيات الميلادية، وكانت حكومة الصين تهدف إلى اختبار النظام الرأسمالي والإصلاحات الاقتصادية قبل تنفيذها على أنحاء البلاد، حتى أصبح التعاون الدولي إحدى سمات العمل في هذه المناطق من خلال الشراكات الثنائية بين الدول. ما يمكن ملاحظته في هذه المناطق أن عددًا محدودًا من الدول تقوم بعمل تقييم لأداء هذه المناطق وقياس أثرها الاقتصادي. إن عوامل نجاح هذه المناطق هو وجود الإطار التنظيمي المتين والحوكمة المناسبة، مع وجود سياسات شفافة وقابلة للتنبؤ، ومجالس إدارة ذات مسؤوليات مُحددة ومُلزمة، يتشارك عضوية المجالس القطاع الحكومي مع القطاع الخاص. أوجدت السعودية مناطق اقتصادية، كأحد عوامل جذب الاستثمارات النوعية المحلية والأجنبية، ولكن هذه المناطق تحتاج إلى مواقع مميزة، وأن يتم تسويقها بشكل غير تقليدي، مع إيجاد إطار تنظيمي مناسب وحوكمة فعالة، مع ضمان أن يكون هناك تفاعل وتناغم بينها بين الاقتصاد المحلي حتى لا تشوه في الاقتصاد الوطني. كما يُفضل توجيه هذه المناطق لنوعية مستهدفة من الاستثمارات. ختامًا إن توجيه جزء من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية – أو بعض مبادراته - لتمكين الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذه المناطق سيكون له أثر بالغ وإيجابي على هذه المناطق، خصوصًا في ظل ما تواجهه هذه المناطق والمدن من تحديات لوجستية أو بنية تحتية ومنافسة من عدد من الدول القريبة لنا.