تبرز دولياً العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية، فالتاريخ السياسي بين البلدين يعود لعام 1926م عندما اعترف الاتحاد السوفييتي آنذاك بالمملكة لتصبح أول دولة في العالم تعترف بقيام المملكة، وفي عام 1930م جرى تحويل القنصلية السوفييتية في جدة إلى سفارة. وتجسدت متانة العلاقات السياسية بين المملكة وروسيا من خلال الزيارات واللقاءات التي ما انفك المسؤولون في البلدين يتبادلونها لإجراء المزيد من التنسيق وبحث وتعميق سبل التعاون الثنائي لتدعيم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات ومختلف الميادين. وعززت المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية من حجم العلاقات الثنائية بينهما منذ أن بدأت في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- على أساس التفاهم المشترك، ونمت مع الزمن حتى اكتسبت تميزًا في السياسة الدولية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- نظرًا لأبعاد تأثير هذه العلاقات على المستويين الإقليمي والدولي، ولما يمثله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي على مستوى العالم. وأكد معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء الأستاذ عادل بن أحمد الجبير، غير مرة شعور قيادتي البلدين بالارتياح لتطور العلاقات، مبينًا أن هناك حرصاً من قيادتي البلدين على الاستمرار في العمل على تعزيز هذه العلاقات وتكثيفها في المجالات كافة، مقدراً معاليه دور روسيا في المنطقة والعالم. ويشهد التعاون التجاري والاستثماري بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية تزايدًا ورغبة مشتركة لتسريع وتيرته، حيث يناقش البلدان بشكل مستمر عددًا من الخطوات في هذا الاتجاه بما في ذلك التحضير لاجتماع اللجنة المشتركة للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني الذي سيجري قريباً في موسكو، إضافة لتنسيق الخطوات في سوق النفط بما في ذلك إطار أوبك الذي يعمل إلى حدٍ بعيد بفضل نشاطات روسيا والمملكة، وكذلك مناقشة الخطوات التي تتخذ حول الاتفاق على مشروعات جديدة في مجالات عدة منها الطاقة والطاقة الذرية والصناعة والزراعة والبنى التحتية والنقل والمواصلات. الاتحاد السوفييتي أول دولة في العالم تعترف بقيام المملكة التعاون يتجاوز الأطر العسكرية إلى الاقتصادية والعلمية والثقافية وتتسم العلاقات بين البلدين بالنمو في مختلف المجالات، ومنها الجانب الثقافي حيث تعد روسيا من أهم الدول الواقعة ضمن إشراف الملحقية الثقافية في تركيا، وتسعى الملحقية لتطوير التعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات الروسية ونظيراتها في المملكة لما فيه صالح البلدين، بالإضافة لإشرافها على المبتعثين والمبتعثات في روسيا الذين يتلقون تعليمهم في 18 جامعة روسية منها: جامعة الطب الأولى الحكومية في موسكو، وجامعة بافلوف سانت بطرسبورغ الطبية، وجامعة موسكو الحكومية التربوية، وجامعة لومونسوف بموسكو. وبرز الاهتمام الروسي بالثقافة العربية في القرن السابع عشر حين ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم بحسب مجلة البحوث العلمية الصادرة من الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك في مدينة بتراجراد الروسية «لينينجراد» حاليًا. وقام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة بطباعة نسخة حديثة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الروسية عام 1433ه، ترجمها الشيخ إلمير رفائيل كولييف، وكانت الترجمة قاصرة على أداء المعاني العظيمة التي يدل عليها نص القرآن الكريم، وذلك في إطار اهتمام المملكة العربية السعودية بنشر القرآن الكريم وعلومه بمختلف اللغات تيسيرًا على المسلمين للتمكن من قراءته وتدبر معانيه الجليلة. واتجهت جامعة الملك سعود عبر كلية اللغات والترجمة إلى إدراج اللغة الروسية ضمن برامج البكالوريوس لتخصصات قسم اللغات الحديثة في الكلية، ويهتم هذا التخصص -الذي يُدرس فيه أساتذة من روسيا ومن دول عربية درست اللغة الروسية في بلد اللغة- بتدريب الطالب على الترجمة بأنواعها الشفوية والتحريرية في مختلف المجالات: القانونية، الأمنية، الدينية، السياسية، الأدبية، والإعلامية. واستضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو خلال شهر مارس 2002م مهرجاناً ثقافياً بعنوان «يوم الثقافة السعودية» شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية وعدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية. وأقامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة اللقاء الثقافي السعودي الروسي خلال الفترة من 3 10 سبتمبر 2003م بمدينة سان بطرسبورغ، بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين في كلا البلدين، وذلك في إطار دعم الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم والتوافق لإثراء الحوار الحضاري المؤسس على مبادئ الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات المختلفة. وهدف اللقاء إلى التعريف بالدور الثقافي والحضاري للمملكة العربية السعودية، وجهود المستعربين الروس في خدمة التراث العربي والإسلامي مع إطلاع الشعب الروسي على النهضة الحضارية والثقافية التي تعيشها المملكة، ودعم إقامة صلات تعاونية وثيقة مع العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية بما في ذلك العمل المشترك لإقامة التظاهرات الثقافية في مختلف المناسبات ضمن برنامجها السنوي في التواصل بين الحضارات وجسورها التعليمية والثقافية وتمتين العلاقات مع الهيئات الثقافية. وأقامت وزارة الثقافة والإعلام عام 2007م، فعاليات ثقافية سعودية في روسيا في ثلاث مدن هي العاصمة موسكو وقازان وبلغار بجمهورية تتارستان التابعة لروسيا الاتحادية. ومنحت المملكة العربية السعودية عام 2007م رئيس جمهورية تتارستان -التابعة لروسيا- منتيمير شايمييف جائزة الملك فيصل العالمية لجهوده في خدمة الإسلام. وضمن التعاون الثقافي السعودي الروسي، استضاف متحف «الأرميتاج» في مدينة سان بطرسبورغ الروسية الذي يعد من أضخم وأقدم المتاحف في العالم، خلال الفترة من 16 مايو إلى 14 سبتمبر عام 2011م معرض «روائع الآثار في المملكة العربية السعودية عبر العصور» محتويًا على (347) قطعة أثرية تعبر عن الحضارات القديمة التي عاشت على أرض المملكة، وبلغ عدد زواره أكثر من 530 ألف زائر وزائرة في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المتحف بحسب قول رئيسة قسم الدراسات الشرقية بالمتحف نتاليا كوزولوفا، حيث أكدت أن المتحف لم يسبق أن استضاف في تاريخه معرضًا بهذا الحجم عن آثار الجزيرة العربية. وشاركت وزارة الثقافة والإعلام في المعرض من خلال عرض أفلام وثائقية عن المملكة، وبمعرض إعلامي مصغر يحوي كتباً إعلاميةً عن المملكة وصورًا تحكي ماضي المملكة وحاضرها، بينما قدمت الفرق الشعبية ألوانًا فلكلورية من مختلف مناطق المملكة. وفي علاقات البلدين في المجال العلمي، أثمر التعاون بين الهيئات العلمية السعودية والروسية نتائج إيجابية استفادت منها المملكة، مثلما جرى عام 2014م، حيث أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عن نجاح إطلاق القمر السعودي الصناعي الثالث عشر لها، والأول من الجيل الجديد الذي حمل مسمى (سعودي سات 4) من قاعدة يازني الروسية. ويمثل إطلاق (سعودي سات 4) أهمية خاصة للمملكة، بوصفه الأول من الجيل الجديد للأقمار السعودية المصممة للتوافق مع مهام فضائية مختلفة تلبي احتياجات المملكة العربية السعودية من خلال برنامجها الوطني للأقمار الاصطناعية في مدينة العلوم والتقنية، مثل التصوير الفضائي ونقل البيانات التي تحتاجها المملكة، إلى جانب إجراء التجارب العلمية الخاصة بالفضاء. وتستفيد المدينة من العلماء الروس في إجراء الدراسات العلمية المتخصصة، لاسيما في مجال علوم الفضاء، فخلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى روسيا عام 2015م، جرى توقيع مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الروسية في مدينة سان بطرسبورغ، لبحث مشاركة المملكة في الرحلات الفضائية الروسية واستكشاف الفضاء بالمركبات المأهولة وغير المأهولة. وخلال زيارة سمو ولي العهد -حفظه الله- لروسيا وقعت اتفاقية بين حكومتي البلدين للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بهدف تطوير وتقوية العلاقات التي تعود بالفائدة على الطرفين اقتصادياً وتقنياً. وفيما يخص العلاقات السعودية الروسية في الجانبين الإعلامي والرياضي، فقد جرى في 29 مايو عام 2006م في موسكو التوقيع على برنامج التبادل الرياضي بين الهيئة العامة للرياضة والوكالة الفيدرالية للتربية والرياضة في روسيا، وفي عام 2018م شارك المنتخب السعودي الأول لكرة القدم في بطولة كأس العالم. وفي إطار أهمية العلاقات السعودية الروسية، أطلقت وكالة الأنباء السعودية في نهاية عام 2015م خدمة إخبارية جديدة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، وهي بث أخبار المملكة العربية السعودية باللغة الروسية بغية إطلاع الشعب الروسي الصديق على كل ما يخص المملكة من أخبار وفعاليات محلية ودولية مدعومة بالصور الفوتوغرافية المتنوعة. وسعت «واس» عام 2016م إلى ترجمة رؤية المملكة 2030 إلى اللغة الروسية من أجل إتاحة الفرصة للجانب الروسي لقراءة مضامين الرؤية بلغتهم ومعرفة أبعادها التنموية التي تعد بمثابة خارطة اقتصادية طويلة المدى لمستقبل المملكة العربية السعودية نظير ما تحمله من برامج تنموية تسهم في نقل المملكة بعون الله تعالى من عالم الاعتماد على مصدر النفط إلى عالم تعدّد مصادر الاقتصاد الوطني. وتعد «واس» عضوًا فاعلًا في اتحاد وكالات الأنباء الدولية الذي يضم عددًا من أشهر وكالات الأنباء في العالم، واستضافت المملكة عام 2013م المؤتمر الدولي الرابع لاتحاد وكالات الأنباء الذي نظمته «واس» تحت عنوان «إعادة تشكيل وكالات الأنباء في القرن الواحد والعشرين»، ووقعت خلال المؤتمر مذكرة تعاون إخباري مع وكالة أنباء «إيتار تاس» الروسية هدفت إلى التعاون في مجال الأخبار والصور، وتطوير التعاون بين الوكالتين الذي كان قد بدأ عام 2003م. وتحرص قيادتا البلدين على الاستمرار في تعزيز هذه العلاقات وتكثيفها في المجالات كافة، ومنها المجال التجاري والاستثماري الذي يرغب البلدان في تسريع وتيرته، من خلال التحضير لاجتماع اللجنة المشتركة للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني الذي سيعقد قريبًا في العاصمة الروسية موسكو. وتبحث المملكة وروسيا أيضًا الاتفاق على تنسيق الخطوات في سوق النفط بما في ذلك إطار أوبك الذي يعمل إلى حدٍ بعيد بفضل نشاطات المملكة وروسيا، إلى جانب مناقشة الخطوات التي تتخذ حول الاتفاق على مشاريع جديدة في مجالات عدة منها الطاقة والطاقة الذرية والصناعة والزراعة والبنى التحتية والنقل والمواصلات. وفي الربع الثاني من عام 2019م نظم مركز البحوث والتواصل المعرفي ندوة عن العلاقات السعودية الروسية تناولت في محورين «ماضي وحاضر العلاقة بين المملكة وروسيا»، و»مستقبل العلاقات السعودية الروسية». الملك سلمان بن عبدالعزيز وبوتين خلال أداء العرضة السعودية إبان زيارة الرئيس الروسي مركز الملك عبدالعزيز التاريخي خادم الحرمين يتسلّم الدكتوراه الفخرية من جامعة موسكو حديث ودي بين ولي العهد والرئيس الروسي خلال قمة العشرين نائب الملك الأمير فيصل مع السفير الروسي في جدة 1929