النقوش والرسوم الثمودية المنتشرة على واجهات الصخور في أرجاء الجزيرة العربية لها دلالات ما بين آثار استيطان عابرة وموسمية، وأخرى تدل على البقاء والاستقرار خلافاً للتعاقب الزمني ما بين الثموديين من العرب الأوائل، وما عقبهم من حضارات حملت الخط الثمودي، فطورته شيئا فشيئاً، حتى حمل خصائصا مختلفة لكل حقبة زمنية وحضارة استيطان سواءً دائمة أو موسمية أو عابرة، وتحمل واجهات الصخور في منطقة الباحة كغيرها من مناطق المملكة الكثير من تلك النقوش بخصائصها المختلفة، عدا نقشاً واحداً ربما يجعل المتخصصين في علم الآثار يعيدوا النظر في بعض المسلمات لديهم. فقد دلنا الباحث في التاريخ والأكاديمي الأستاذ عبدالهادي بن حربي الزهراني إلى نقش ثمودي في قرية خيرة بمنطقة الباحة، وهي من أجمل القرى بغاباتها وشلالها الشهير المتدفق على مدار العام، والذي يزيد ارتفاعه على 100 متر خلافاً للمباني التراثية القديمة التي تميز بهندستها وطراز بنائها الفريد قديماً، إضافة لذلك فهي تحتوي على بعض الرسوم والنقوش الثمودية التي تشير إلى استيطان موسمي مؤقت أو عبور قادم من شمال الجزيرة العربية عبر هذه المرتفعات الحجازية من جبال السراة للتوجه إلى اليمن أو هجرة عكسية، وقد حضرت إلى موقع النقش في واجهة أحد الصخور المستخدمة في بناء حصن حربي منيع للحماية يسمى حصن "عباد" بفتح العين وتشديد الباء، في الجهة الشمالية من القرية فوجدت مع ذلك النقش أحجاراً أخرى تحمل رسوماً ثمودية وهي كذلك لها علاقة بالخط الثمودي، فاستعنت بالأستاذ حسين بن أحمد الكناني أحد الخبراء في قراءة الخطوط الثمودية وتم التعاون حتى تمت قراءة النص بصعوبة بالغة نظرا لقدم الخط وعوامل التعرية التي ربما ساهمت في طمس أجزاء من بعض الأحرف فكانت ترجمة النص مفاجئة ومدهشة ومثيرة للجدل الذي ربما يسهم في الوصول إلى قوم النبي صالح عليه السلام في الوقت الذي لم يعثر فيه الباحثون عموما على أي نقش يشير إلى النبي صالح عليه السلام وقومه في الحجر ووادي القرى بمحافظة العلا في منطقة المدينةالمنورة رغم وضوح المسميات وارتباطها بالإشارة إليها في القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية المتفق على صحتها. أما هذا النقش المكتشف في قرية خيرة بالباحة فقد تضمن إشارة صريحة إلى الصيحة التي كانت عذاباً لقوم صالح، حيث اتضح أن المكتوب بالنص وبالأحرف الثمودية المتقدمة (نب هجر) ونب تعني رفع الصوت أو الصياح، وهي الصيحة، وهجر بحسب ترجمة حسين الكناني فهي تعني الحجر فتكون ترجمة النص (صيحة الحجر)! وقال الأستاذ عبدالهادي الزهراني إن كلمة "نب" تستخدم في قرية خيرة حتى يومنا هذا، بمعنى رفع الصوت أو الصيحة؛ وقد أشير إلى أصحاب الحجر وصيحة العذاب لقوم صالح عليه السلام في سورة الحجر في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ). (83) وبعد عرض ذلك النقش أيضاً على الاستاذ الدكتور أحمد بن سعيد قشاش أستاذ اللغة العربية وهو الباحث المعروف وله العديد من المؤلفات الثمينة فبعد أن وجهت إليه التساؤلات التالية: إذا صحت القراءة على أنها (صيحة الحجر) كما ذكر فإن هذا الكشف الكبير يحتاج إلى تحليل عميق لأنه يؤكد ما ذكر في القرآن الكريم في سورة الحجر.. ويعكس الإعجاز القرآني والنبوي.. ففي أي زمن ومن هذا الذي قام بالنقش؟ هل هو من الناجين، أم نبي، أم أنه شخص عابر سبيل ولديه معلومات عن الصيحة؟ أم أن الصيحة وردت في الكتب المقدسة مثل التوراة؟.. فكيف عرف الصيحة؟ وهل يمر من هنا طريق سروي للتجارة قديماً؟ فقال الدكتور أحمد بن قشاش معقباً على تلك التساؤلات: كل ما ذكرت افتراضات جيدة، لكن ينبغي أخي الكريم وأنت باحث تحرير، أن تتريث حتى تجد من الآثار أو القرائن الأخرى ما يؤيد هذه النقاط البحثية الرائعة، ولعلك تجد ذلك قريبا، ولا يخفى على شريف علمك أن المسألة مهمة جدا يترتب عليها إعادة قراءة الكثير من المسلمات التاريخية. أما فيما يتعلق بترجمة النص قال: إن هذه الترجمة قوية، وقريبة جداً من الترجمة الصحيحة، ولكن يجب التريث وعدم التسرع، فالحقيقة تحتاج إلى مزيدٍ من الصبر والبحث والجدية، وبالعودة إلى ما أشار إليه الأستاذ الدكتور سليمان الذبيب عضو هيئة التدريس بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود بإحدى محاضراته القيمة، حيث أشار فيما يتعلق بتسمية مدائن صالح والحجر أنها قضية جدلية حيث إن مدائن صالح تعود إلى أحد الولاة وهو عباسي يسمى صالح في فترة الخلافة العباسية، ولا علاقة لها بالنبي صالح عليه السلام لا من قريب ولا من بعيد، ولم يثبت لدينا ذلك. فالنبي صالح عليه السلام وقومه كانوا في وادي القرى، وما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينص على عدم البقاء في المكان الذي حل به العذاب غير محدد ولم يعرف بعد ويحتاج إلى متخصصين لتتبع مسار رحلة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ومتخصصين في علوم الإنسان والآثار والجيولوجيا والجغرافيا لمحاولة تحديد الموقع، أما الآثار المعروفة اليوم في العلا فهي حضارات لمملكتي دادان ولحيان والأنباط والمعينيين قائمة منذ العصر الحديدي في القرن التاسع قبل الميلاد، وهذا مؤكد في أحد النقوش. قلت وذلك النقش في قرية خيرة بمنطقة الباحة حسب ترجمته، يؤكد أن الموقع يسمى الحجر ولم يذكر القرى، وأيضاً ومن خلال ما ذكره الدكتور الذبيب فإنني أرجح أن يكون ذلك النقش في قرية خيره بمنطقة الباحة يقع بين احتمالين فإما ان يكون نصاً بالخط الثمودي كتبه أحد المعينيين المهاجرين سواء كانت الهجرة من اليمن إلى الشام او كما ذهب إليه بعض المؤرخين انها جاءت من بلاد الأناضول جراء الحروب حيث تم إجلاء المعينيين من بلادهم الى الشام ومنها الى جنوب الجزيرة العربية حتى تم استقرارهم في اليمن، فما يؤكد ذلك كثرة هذه المختصرات من النقوش وتشابهها مع ما عثر عليه في جبل عكمه والخريبة في منطقة العلا، وكذلك وجود نقوش في وادي الأحسبة وقريش سيحان والشدوان الأسفل والأعلى بمنطقة الباحة وقس على ذلك انتشار نفس النقوش المختصرة جداً، والتي تبدو اقل من تغريدات "تويتر" في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، خلافاً لتطابق الخصائص الخطية لتلك النقوش في بقية المناطق مما يدلل على انها فترات استيطان مؤقتة لأقوام عبروا او انها فترات استيطان موسمية بسيطة، ولكن ثمة مسافة زمنية كبيرة جداً بين الثموديين الاصل وهم العرب الأوائل في عهد النبي صالح عليه السلام وبين هؤلاء الدادانيين واللحيانيين والمعينيين؟ فإن كان الامر كذلك فمالذي حملهم على نقش تلك الواقعة في هذا المكان ولم يتم الإشارة إليها في مقر استيطانهم الدائم في الحجر او وادي القرى عموماً؟ ولماذا يتم الإشارة لتلك الواقعة الكونية بهذا الموقع بالتحديد؟ وإن كان غير ذلك من الفرضيات فإن الأمر يشير إلى أحد المؤمنين من قوم ثمود في عهد النبي صالح وقد علم بواقعة العذاب (الصيحة) التي حلت بقومه فقام بكتابة تلك العبارة هنا في هذا الجزء من جبال السراة جنوب غرب الجزيرة العربية. والحقيقة أن هذا النقش يحتاج إلى دراسة متخصصة تؤكد صحة الترجمة ومعرفة خصائصه الخطية وتقارنه ببقية النقوش. أما النقش الثمودي في جبل شدا الاسفل والذي دلنا عليه ايضاً الباحث والإعلامي ناصر الشدوي، وقد وفقنا لترجمة بعض ما تضمته بالتعاون مع الباحث حسين بن احمد الكناني كذلك، ولم نتمكن من معرفة بقية الكتابة فذلك الخط تتم قراءته من أسفل إلى أعلى ويحتوي على النص التالي:(بليل عتى) (اص، قد، اك كحمى). بليل عتى: تعني بالليل أتى والألف هنا كتبت على النطق بحرف العين صوتاً أي اتى بالليل اص: تعني خائف. قد تعني: قوي. اك: وتعني القوي الشديد. كحمى. او. حمى. وحمى ويحمو من الآلهة الثمودية وهو نص دعاء لأحد الآلهة يسمى يحمى وصفه بالقوي الشديد لطلب الحماية من شيء مخيف او آتٍ يأتي بليل معتم. وما استشهدت به هنا هو لتوضيح هجرات المعينيين جراء الغزو وتوجههم إلى جنوب الجزيرة العربية خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد حتى وصول قوافلهم المتعاقبة واستقرارهم في ارض اليمن حيث أسسوا دولتهم وعاصمتها "قرناو"، وما يؤكد الزمن في ذلك النقش هو استخدام برادة وأكسيد الحديد في الكتابة على صخور الجرانيت في جبل شدا، وغيره، مما يؤكد على انها كانت في العصر الحديدي، وهي نفس فترة هجرة وانتشار المعينيين خلافاً لخصائص الخط والنقوش والرسوم الملونة التي عثر عليها بكهوف متعددة بالشدوين الأعلى والأسفل في تهامة بمنطقة الباحة. و"الرياض" تدعو المهتمين من ذوي الاختصاص إلى دراسة هذه النقوش في الباحة وغيرها من المناطق، فلعلها تكون مفتاحاً لفك بعض الغموض والخلافات حول مسمى مدائن صالح في العلا، وتسهم في تحقيق معلومات تدعم البحث عن موقع الحجر. انتشار الثمودية بالباحة تعني عبور للهجرات الثمودية المعينية نقش ثمودي يعني «صيحة الحجر»