لا تكاد تمر هذه الأيام ناقلة نفط بريطانية وأميركية عبر مضيق هرمز من دون أن تتعرض للتحرش والاستفزاز من قوارب حربية تابعة لقوات البحرية الإيرانية. وعلاوة على ما ذكرته مصادر إعلامية حول تورط البحرية الإيرانية خلال شهر مايو آذار الماضي في القيام بأعمال تخريبية لسفن شحن تجارية في خليج عمان قبالة السواحل الإماراتية، فقد اعترضت البحرية الإيرانية قبل أيام قليلة السفينة البريطانية ستينا أمبرو واقتادتها إلى ميناء بندر عباس الإيراني بدعوى خرقها لقوانين الملاحة البحرية، وذلك رداً على احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية غريس 1 في جبل طارق والتي كانت متجهة على ما يبدو إلى سوريا وفقا لما ذكرته مصادر بريطانية. وقد توعدت إيران حينها باتخاذ إجراءات مماثلة ضد الناقلات البريطانية في الخليج. من الواضح أن أعمال القرصنة الإيرانية في مياه الخليج العربي لم تكن لتحدث لولا أن استراتيجية العقوبات الأميركية على إيران قد بدأت تؤتي ثمارها ظاهرياً ولكننا لا نعلم يقيناً وتحديداً متى سيحين قطاف هذه الثمار لوقف المناورات وأعمال التحرش الإيرانية المزعزعة لأمن المنطقة الخليجية، ولضمان حرية الملاحة البحرية وسلامتها من أي اعتداء إيراني محتمل. وبما أن خمس احتياج العالم من الطاقة يمر من خلال مضيق هرمز حيث توعدت إيران سابقاً بغلقه في وجه السفن التجارية وناقلات النفط الغربية إذا ما منعت من تصدير نفطها، فان المجتمع الدولي يشترك مع دول المنطقة في تحمل المسؤولية لحماية مصادر الطاقة العالمية. وهذا ما دفع بريطانيا للإعلان مؤخراً عن تشكيل قوة عسكرية أسمتها "عملية الحارس" لحماية السفن. وقد سبق الإعلان عن بحث ترتيبات أمنية تتعلق بتشكيل تحالف أوروبي أميركي في مياه الخليج العربي لحماية الملاحة البحرية من التهديد الإيراني المتصاعد. فلماذا تصعد إيران في هذا الوقت بالذات ضد بريطانيا وأميركا من خلال خطف السفن حيناً وإسقاط الطائرات المسيرة حيناً آخر؟، ولماذا تتأخر هاتان الدولتان بالرد على هذا التحرش والمضايقة في عرض المياه الدولية؟ مما لا شك فيه أن الولاياتالمتحدة الأميركية تتبنى برنامجاً محدداً في التعامل مع النظام الإيراني الذي يمتلك قدرات عسكرية كبيرة تتمثل في منظومة صواريخ بالستية لديها القدرة على حمل رؤوس نووية مثل شهاب 3 وسجيل 2، إضافة إلى أنظمة أخرى دفاعية وهجومية قد تستخدم في حال اندلاع الحرب في المنطقة. ولذلك يبدو لي أن تركيز الإدارة الأميركية حالياً على العقوبات الاقتصادية إنما هو مرحلة أولى تهدف إلى خنق العدو اقتصادياً في مجال قطاع النفط والمصارف والصلب من أجل التمهيد لضربه عسكرياً في الجولة الثانية والأخيرة. ويبدو أن إيران تعلم كذلك بأن الهدف من العقوبات هو إنهاك وتخدير الخصم قبل الاشتباك معه عسكرياً. ومن أجل إظهار جاهزية قواتها لخوض المعركة المرتقبة، أطلقت إيران الأربعاء الماضي صاروخاً متوسط المدى في خطوة اعتبرت تصعيداً جديداً. كما وما زالت البحرية الإيرانية تقوم بمحاولات التحرش بكل سفينة غربية، وقطع الطريق أمامها لترسل للمجتمع الدولي إشارات مفادها أن العقوبات لم ولن تؤثر على قدراتها العسكرية وهيمنتها على مضيق هرمز وخليج عمان.