يشارك المجتمع قديمًا الحاج مشاعر الفرحة بالدعاء له من بداية استعداده بشراء الإحرام وتجهيز مؤنة الطعام من طحين وسويق وأوان يستخدمها في الطبخ، مرورًا بوداعه عند رحلة الذهاب لمكة، وبما يصادفه في الطريق أثناء الرحلة، وحتى وصوله إلى مكة والطواف والسعي، وإظهار مشاعر الاشتياق له ولمكة، ومواساة من يتركهم الحاج من أسرته كزوجته وأمه، حيث يجتمع الجيران في منزل الحاج، ويتناوبون على دعوات أسرته في بيوتهم لتسليتهم ومواساتهم لطول فترة الغياب التي كانت تأخذ من الحاج عدة أشهر لحين رحلة العودة، ويتبعها استقبال الحاج بفرحة عارمة يترجمونه بدعاء يسمى (التداريه). والتداريه: أدعية خاصة للحاج بألحان وكلمات شعبية لا تخضع لوزن وقافية، قريبة من الأناشيد الدينية، وتتضمن التمني والدعاء له بما فيه خيرا الدنيا والآخرة، وسميت تداريه؛ لأن كلماتها تبدأ قبل كل دعاء من المؤدين والمؤديات بقولهم: درّهن، واستدْرهن، يالمدْرهات أو درّهوا، واستدْرهوا، يا المدْرهين ثم يُتبعونها ب(واستعينوا بالله) ودرّهن: أمر في حال أداء النساء للتداريه، ودرهوا: أمر في حال أداء الرجال، وهو الأمر بالدعاء. استدرهوا: أي ألحّوا بالدعاء يا المدرهين: المؤدين للتداريه (الدعاء) وتداريه: جمع تدرّه بشد حرف الراء، وأصلها من طلب الإبل للاستعداد بإصدار صوت من حرفي الدال مع تكرار حرف الراء باللسان ب(درررر، درررر) ليعطي صوتًا موسيقيًا يقترب معه الإبل. لكل مرحلة من مراحل استعداد الحاج تداريه؛ أي (دعاء) خاص بالمرحلة التي يمر بها الحاج، بداية من شرائه لإحرامه وخروجه مع رحلة الحج، وحتى استقباله برحلة العودة، ومن تداريه انطلاقه للحج الذي يبدأ بدرّهوا أي (ادعوا) واستدْرهوا؛ أي ألحوا بالدعاء، تتبعها كلمات تشمل يقين ورضا الحاج بما هو مكتوب له في رحلة طويلة، لا يعلم ماذا تخبئ له الأقدار فيها، واثقًا بربه؛ لأنه متجه لتلبية الله في أداء هذه الفريضة. درهوا يا مدرهين واستعينوا بالله واكتبوا يا كاتبين: كل شي من الله ولانقطاع أخبار الحاج بسبب انعدام التواصل في ذلك الوقت مع أهله وجيرانه لشهور، ولخوفهم عليه يؤدون تداريه تتضمن معاني تعبر عن هذه المرحلة الصعبة للحجاج، وما يواجههم من أخطار في الطريق المقفر، من أصعبها الرمضاء والعطش والأجواء البيئية المتقلبة، التي تهدد حياتهم حتى يصلوا إلى مكة، فيدرّهون أو يدعون لهم بالنجاة والعافية: درّهن واستدرهن يا المدرهات درّهن واستدرهن واستعينن بالله يا غراب الجو يا حاني السوادي وين أريت القافلة وين أريت احبابي طيبين بعافية طالبين الهادي ليتني قريبته دائمٍ مليانه ليتني حذيّته في الحرم حفياه درّهن واستدرهن يا المدرهات درّهن واستدرهن واستعينن بالله. تشمل التداريه معاني واسعة، فيدعوا المدرهين والمدرهات الله سبحانه وتعالى بأن يسهل طريق الحجاج بمشاعر مليئة بالخوف على الحاج. درّهن واستدرهن يا المدرهات واستعينن بالذي خيمته مظلة يا دريب الحج لا تنبت الشيكان، انبتن كادي وريحانه حتى لجاك الحبيب، يستريح شوية ولا تنسى المدرهات، تداريه (الدعاء) للمرأة الحاجة، اللاتي يُقرنّ به الدعاء لابنها البار الذي اصطحبها معه لأداء فريضة الحج، فغمرت الفرحة القلوب لأداء الجارة الفريضة تلبية لله تعالى: درّهن واستدرهن يا مدرهات درّهن واستدرهن واستعينن بالله حجت المكلفة ربنا هداها وليدها وليد الرضا في الحرم هناها ومنها أيضا تداريه لمواساة المرأة التي خرج من دارها حجاج، لعلمهن بما تشعر به من اشتياق لهم وخوفها عليهم من الطريق. درّهن واستدرهن يا مدرهات درّهن واستدرهن واستعينن بالله ولاله يا أم الوليد ربي يداوي جروحك ويسلم وليدك ثم يبري جروحك ومن التداريه أدعية بتمني الحضور لزيارة مكة، ومشاهدة الكعبة المشرفة، للاشتياق لها، وكلها معان تصب في مشاعر النفس المسلمة المتشوقة لأداء الروحانيات في أطهر بقعة على وجه الأرض كالتالي: درّهن واستدرهن يا مدرهات درّهن واستدرهن واستعينن بالله الله يا مكة ما احلا أراضيها وأشاهد الكعبة وأمشي في أراضيها. تشمل التداريه التالية (الدعاء) مشاعر الفرحة والبهجة تبشيرًا بقرب عودة الحجاج، وتأتي هذه المشاعر يوم العيد بعد الطواف والسعي والوداع، والاستعداد لرحلة العودة وتمني العودة لها مرة أخرى تعلقًا بهذه البقعة الطاهرة: سعينا ثم طفنا على الركن اليماني ودعنا حرمنا ونرجع فيها ثاني تضمنت هذه التداريه بعض الممارسات في العادات والتقاليد التي مارسها المجتمع قديمًا، وأطلعتنا على بعض الأدوات المستخدمة في ذلك الوقت كوعاء القربة، كما تضمنت بعض الصفات التي كان يتحلى بها المجتمع، ويذكر لي الأستاذ أمين السنوسي من سكان مدينة أملج، أن التداريه من الفنون الشعبية التي اندثرت، بسبب التطورات التي طرأت على المجتمع الحديث، وأيدته السيدة حمدية محمود، التي زودتني بمساعدته بالتداريه والمعلومات حوله. رمي الجمرات إعداد الوجبات في المشاعر حركة البيع حول الحرم