ناقشته ثم ذكرتُ له مستشهداً قولاً لأحد كبار علماء العصر فقال لي (هذا شيخ عقلاني) فقلتُ له مستنكراً مستعجباً: سبحان الله! أجعلتَ من العقل مسبةً وتهمة؟! مالكم كيف تحكمون!. العقل في الشرع أصل التشريف ومناط التكليف وبدونه لاتشريف ولاتكليف فبغيبته يرتفع التكليف وبنقصانه (كالضعف أو الضمور العقلي و تأخر نموه أو العته والسفه ونحوه) ينقدح التكليف. العقل ذلك المخلوق الشريف والجوهر النفيس الذي ركَّبَه الله في أجمل الكائنات وأفضل المخلوقات، وبه تميز عن الأنعام والبهائم، وهو آلة التفكير والاستدلال والاستحسان واستقامة المنطق وتركيب المفاهيم والتصورات وأداة الفهم والنظر والتلقي والإدراك والتمييز بين الخير والشر بين النافع والضار بين الغث والثمين والحسن والقبيح والخطأ والصواب وبه يستطيع الإنسان التكيف والتأقلم مع المعطيات والمستجدات ومواجهة التحديات فالديناصور أقوى من الإنسان بكثير لكنه مخلوق لاعقل له ولهذا فقد القدرة على التأقلم فانقرض وهلك فإذا ما فقد الإنسان عقله فقد قدرته على التأقلم واختفى وانقرض هو الآخر ولاضمان له بدوام البقاء على هذه البسيطة إن لم يُحسن الاستخلاف بما وهبه الله من آلاء وأفضال ونعم وأولاها "العقل" وهذا يؤكد صحة القول إن (البقاء للأصلح وليس للأقوى)، فالقوة ليست ميزان الوجود ولكنه العقل ذلك المخلوق الشريف. فمن جعل بين العقل والشرع خصومة وعداوة ومنافرة فقد خاصم الشرع علم بذلك أم لم يعلم، وجنايتُه على الدين جد عظيمة، لأن العقل هو مؤيد النقل وخادم الشرع وشاهدُه الأول وحجة الله على خلقه، ولولا العقل ما عرفنا الله ربنا ولا عرفنا صدق أنبيائه، وكتبه ورسالاته، ولا عرفنا ما ينفعنا وما يضرنا في الدنيا والآخرة، فمن عادى العقل ألغى وأنكر "ولو بصورة غير مباشرة" حصول المسؤولية في الدنيا وحقيقة الحساب والثواب والعقاب في الآخرة. وقد أكد الكثير من كتاب الإسلام قديماً وحديثاً على أهمية ومكانة العقل في ديننا العظيم فقد قال الكاتب الكبير عباس محمود العقاد -رحمه الله- في كتابه (التفكير فريضة إسلامية، ص7): "والقرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله، أو يُلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه".