هو من العلماء الربانيين ومن أصحاب الورع بل الزهد في الدنيا والاكتفاء بالعيش الكفاف لم يلهث وراء شهرة أو مجد، عرفته عن قرب ومجالسة وتلمذة مدة من الزمن فكان نعم المعلم والمربي والقدوة والأستاذ، يؤثر في جلاّسه بأخلاقه الجذابة وأهمها وأعظمها التواضع مع الصغير والكبير، لا يشعرك أبداً أنه من العلماء، بل تجد أنه يبعث برسائل كأخ لك كبير، أو طالب علم صغير، ودائماً يقول لتلاميذه: «أنتم تشجعوننا على الاطلاع والبحث والقراءة المستمرة» - حول هذا المعنى -، جمع بين العلم والعمل ظاهره كباطنه، لا يتغير، فهو على مبادئه وقيمه وقناعاته مهما تغيرت الحال وتقدم به السن والعمر، يتناقش ويحب النقاش مع تلاميذه في المسائل الفقهية والعقدية والحديث، ويصوّب آراءهم ويثني عليها، يفرح بأية معلومة جديدة يدلي بها أي تلميذ، بل حتى الاستدراك عليه يطيب به نفساً، لأنه متجرد من كل هوى وعصبية، فهو يقبل الحق أيّاً كان مصدره، مربٍ من الطراز الأول، وذلك تكتشفه في أحاديثه العفوية وفي مجالسه الخاصة ومجالس الدروس العلمية وخطبه ومحاضراته، وليس في كل الأحوال جاداً، بل إن النكتة والفكاهة يخلطهما في ثنايا كلامه، هذه هي شخصية العالم الشيخ عبدالله بن حسن بن محمد بن قعود - رحمه الله -. وُلد في شهر رمضان من العام 1343ه في «بلدة الحريق» الواقعة ب»وادي نعام» المسمى قديماً في الجاهلية والإسلام، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن فيها، كانت نشأته صالحة حيث أحب العلم والمعرفة وهو صغير السن، وهذا من فضل الله وتوفيقه عليه، ترعرع في طاعة الله عز وجل، وكان مستقيماً في سلوكه وأخلاقه، فإذا اجتمع صلاح وحب للعلم في شخص كان فضلاً كبيراً ونعمة كبرى عليه، وهكذا اجتمع في شخص الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - التدين والصلاح والرغبة في تحصيل العلم ولزوم العلماء للأخذ عنهم طبعاً مع شروط وآداب طالب العلم. مرحلة ذهبية أخذ الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - عن قاضي بلدته الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم آل عبداللطيف، وهو أول شيخ له في العلم الشرعي، ولعل ابتداء ابن قعود في طلبه على هذا الشيخ العام 1358ه؛ لأن آل عبداللطيف تولى القضاء في ذلك فلازمه حتى 1367ه، وفي هذا العام رحل إلى الدلم، وكان بها نهضة علمية، وكان رأس هذه النهضة ومحي العلم فيها الشيخ ابن باز - رحمه الله -، سكن في الدلم مع طلبة العلم هناك، وأقبل واستنفر طاقته الذهنية في الاستفادة من علم الشيخ عبدالعزيز بن باز، وهنا تكونت شخصية الشيخ عبدالله بن قعود العلمية، هضم العلوم الشرعية وأحب علم الحديث، وهي مرحلة وضوح المنهج لديه، وعلى أثر هذه المرحلة الذهبية وهي مرحلة الشباب ترسخ عند الشيخ العلم الشرعي، وارتوى من العلوم، حيث إنه لم يدخل المعهد العلمي بالرياض وكلية الشريعة إلاّ وقد استوعب العلوم الشرعية وعلوم اللغة سوى بعض العلوم التي كانت جديدة لطلبة الكلية مثل علم أصول الفقه وبعض العلوم العربية كالبلاغة والتاريخ، طوّر نفسه كثيراً في العلوم الشرعية خاصةً في علم الحديث. وروى الشيخ عبدالرحمن بن شعيل - ختم الله له بخير - قائلاً: "إن الشيخ عبدالله بن قعود كان يقدر ويحترم شيخه ابن باز حتى إنه لما كان يدرسه في الكلية وأراد الاستئذان من شيخه للخروج من الفصل تكلم ورفع يده مع أن الشيخ لا يبصر وما ذلك إلاّ لشدة حبه لشيخه ابن باز، وكان ابن باز يبادله نفس الشعور وامتدت العلاقة بينهما حتى توفي، حيث إن بينهما رسائل متعددة". كيان مستقل وحتى لما بلغ الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - شهرة في العلم كان يحضر دروس الشيخ ابن باز -رحمه الله - في مسجد سارة بالرياض، وشاء الله عز وجل أن يجمعهما مرةً أخرى، حيث درّسه الشيخ ابن باز في المعهد بالرياض وفي كلية الشريعة، ولا نعني بذلك أن الشيخ ابن قعود نسخه للشيخ ابن باز بل إن له كياناً مستقلاً في الاجتهاد الفقهي يخالف ابن باز، ويروي بعض تلاميذه أنه سمع الشيخ ابن قعود يعتز بتلمذته على الشيخ ابن باز، وكان الشيخ ابن باز قد أوكله بمهام عدة ثقة فيه ولكفاءته، منها مهام خارج المملكة موفداً من قبله، كانت علاقة عبدالله بن قعود مع شيخه ابن باز علاقة راسخة في الأعماق بدأت من العام 1367ه حتى وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز العام 1420ه، وقد قرب من شيخه أكثر، وأصبحا يقرران الفتوى في اللجنة الدائمة للإفتاء مع الأعضاء الآخرين وهم الشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ عبدالله بن غديان، إيضاح الأسئلة وتحرير الأجوبة التي يتفق عليها رئيس اللجنة ونائبه والأعضاء ومنهم الشيخ عبدالله بن قعود، وقد نشرت مجلة البحوث الصادرة من الرئاسة العامة للإفتاء والبحوث العلمية الكثير من فتاوى اللجنة الدائمة التي فيها اسم الشيخ عبدالله بن قعود في أعداد كثيرة. الشيخ عبدالله بن قعود لم يكن له مؤلفات ولم يشغل نفسه بالكتابة وإعداد الكتب والمصنفات سوى ما نشره وهو الكتاب الوحيد (أحاديث الجمعة) الذي يعد من أوائل الكتب العصرية في الخطابة في نجد، وقد طُبع 1381ه، وقبله كتاب الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - مع اختلاف أسلوب الشيخين في صياغة خطبة الجمعة. محقق شرعي ولم يتطلع الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - إلى المناصب، ولم يسع إلى جاه أو نيل مكانة اجتماعية عند الناس، فقد اشتغل بالتدريس في شبابه في المعاهد العلمية، ومنها المعهد العلمي في شقراء، فلقد درّس فيه ثم أصبح مفتشاً بوزارة المعارف، وفي العام 1381ه انتقل إلى ديوان المظالم محققاً شرعياً وهي أطول مدة وظيفية قضاها في دائرة حكومية، حيث مكث 16 عاماً، واكتسب خبرة قوية وممارسة للتحقيق فيما يحال عليه من قضايا، فلقد تعين في الديوان وعمره 37 عاماً، فهو لا يزال شاباً ذا عطاء وظيفي، مع أنه طيلة حياته وبالذات قبل أن يداهمه المرض في الكِبر كان حيوياً دائماً سريع الحركة قوياً في جسمه، في العام 1397ه عين عضواً باللجنة الدائمة للإفتاء وعضواً بهيئة كبار العلماء حتى 1/1 / 1406ه، حيث تقاعد في ذلك العام. دمث الأخلاق والشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - رزقه الله دماثة الخلق، يقبل على الشخص الذي يحادثه ويستمع إليه وهو منصت جيد ولا يقاطعه أيّاً كان هذا المتحدث، حتى ولو كانت هذه المعلومات التي يلقيها يعرفها، وهذا من كمال الأدب، بل إنه في قمة التواضع مع طلبة العلم خاصة، ومع الناس عامةً، ومن تواضعه كذلك أنه يزور تلامذته في منازلهم ويقبل دعوتهم متجرداً من الفوقية والاستعلاء، بل إنه يطلب منهم أن يرافقوه في الحج، خاصةً بعض التلاميذ أو طلبة العلم المميزين الذين لهم رسوخ في المعرفة لأجل أن تكون الرحلة إلى الحج فيها فوائد وتبادل للمعلومات، تبنى طلبة العلم النابهين وحرص عليهم وتابع أحوالهم وشجعهم، كان أحياناً يدعو تلاميذه إلى منزله بعد الانتهاء من الدرس أي بعد صلاة العشاء وكان المجلس في مكتبته وتكون الجلسة علمية، وإذا دعاه أحد من التلاميذ في رحلة خارج الرياض لبى الدعوة، كان في قمة التواضع ولين الجانب ليس تصنعاً بل هو خلق جُبل عليه منذ نشأته وحتى فارق الحياة. إمام وخطيب وتعيّن الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - إماماً وخطيباً في جامع المشيقيق بالشميسي القديم بتاريخ 1378ه، ثم عُيّن خطيباً بجامع الملك عبدالعزيز - المربع - العام 1391ه، وكان الملك فيصل - رحمه الله - يصلي يوم الجمعة في هذا المسجد، وعرف واشتهر الشيخ عبدالله بن قعود بخطبه في هذا المسجد منذ ذلك التاريخ، فكانت مواعظه ونصائحه وتوجيهاته للناس سديدة وهادفة، فهو قد طبق السنة النبوية في الخطبة، بحيث تكون موجزة وتكون الصلاة طويلة، مدعماً خطبه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وعندما تقرأ كتابه القيّم (من أحاديث الجمعة) نجد هذه العناوين الطيبة لهذه الخطب المنبرية النافعة، ومنها الإخلاص وأثره في العمل، وكذلك القرآن عصمة، والأعمال الخالدة وأثرها بعد الموت، وأخطار اللسان، وكذلك من العناوين لهذه الخطب خطبة بعنوان نعمة الأمن، وقد تحدث - رحمه الله - عن عظم هذه النعمة من الآيات القرآنية، وأنها من أهم ضروريات الحياة، وأن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما دعا في مكة بدأ بالأمن حيث قال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا)، وتحدث الشيخ بكلام نفيس عن ضرورة الأمن وأنه لا غنى لأي مخلوق أو لأي نفس رطبة عنه. أسلوب حديث وكان الشيخ عبدالله بن قعود - رحمه الله - منذ أن اعتلى منبر الخطابة العام 1378ه حتى ترك الخطبة العام 1418ه يرتجل الخطابة، وطبعاً كان يهتم بالتحضير ويعد لها، وهو من أوائل من صاغ الخطب المنبرية بأسلوب حديث بعيداً عن السجع الذي كانت عليه الخطب القديمة المكررة، لذلك كان من المجددين في الخطب وكتابه (من أحاديث الجمعة) الذي طُبع قبل 59 عاماً - 1381ه - من الكتب المميزة في الخطب، وقد ذكره الأديب العراقي علي جواد الطاهر في كتابه النفيس (معجم المطبوعات في المملكة العربية السعودية)، وكانت هذه الطبعة فيها ترجمة موجزة للشيخ ابن قعود، وهي أول ترجمة وسيرة له، لأنها كتبت بمرأى الشيخ وإملائه، وأنا اعتمدت عليها في كتابة هذه السيرة. توفي ابن قعود بتاريخ 8 /9 / 1429ه في رمضان، وصُلي عليه في جامع الإمام تركي، يتقدمهم الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - حينما كان أميراً لمنطقة الرياض بعد صلاة العصر، ودفن بمقبرة العود. العجيب أن الشيخ ابن قعود ولد في رمضان في ليلة السابع عشر من رمضان وتوفي في كذلك في رمضان بعد ما خلف ذكراً عميقاً في قلوب محبيه وعارفيه، رحمه الله، فقد كان قدوة في الخير وإماماً في العلم. استفاد ابن قعود من علم الشيخ عبدالعزيز بن باز وُلد الشيخ عبدالله بن قعود في الحريق العام 1343ه كتاب أحاديث الجمعة من تأليفه جامع المشيقيق بالشميسي وقد أمَّ فيه ابن قعود وخطب العام 1378ه جامع الملك عبدالعزيز «المربع سابقاً» خطب فيه من 1391ه إلى 1418ه صلاح الزامل