جاد، حاد، صارم... صفات يوصف بها مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم جمال بلماضي، لكن الشاب في عرف المديرين الفنيين، هو «نعمة» أعادت بث روح في قلوب محاربي الصحراء، أوصلتهم إلى نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية، وربما أبعد. نادراً ما يظهر ابن ال 43 عاماً ارتياحه أمام الكاميرات. يبدو شارداً، مفكراً، وغالباً ما يرد على من يسأله عن تشكيلته، بسرد تشكيلة المنافس، وبدقة. بهذا الإدراك وغيره، عرف بلماضي كيف يضع الجزائر في نصف نهائي أمم إفريقيا للمرة الأولى منذ 2010، وكيف يرسم للاعبيه مساراً ثابتاً في نسخة 2019، بحثاً عن لقب ثان في تاريخهم بعد 1990 على أرضهم. عانى المنتخب منذ ما بعد عام 2015 حين بلغ ربع نهائي أمم إفريقيا، بعد أشهر من بلوغ دور ال 16 لنهائيات كأس العالم 2014، والخروج بصعوبة بعد التمديد أمام ألمانيا التي توجت بطلة للمونديال. بعدها، خرجت الجزائر من الدور الأول لأمم إفريقيا 2017، ولم تتأهل لمونديال 2018. نهل رئيس الاتحاد الجزائري خير الدين زطشي من هذا المنبع، وانتقل إلى باريس حيث اتفق مع بلماضي مطلع أغسطس 2018.من هنا، بدأت قصة نجاح يكتب المولود في فرنسا أحدث فصولها ببراعة. قال النجم السابق للكرة الجزائرية لخضر بلومي في تصريحات لقناة «الهداف» بعد تخطي ثمن النهائي «المشكلة حلها السيد بلماضي. سبقه خمسة أو ستة مدربين لم يتمكنوا من حل المشكلة». روح خضراء مفردة واحدة تكررت بين المعلقين لدى الحديث عن جزائر 2019: الروح في مقابل نبرته الهادئة وصوته الخفيض في المؤتمرات الصحافية، يبدو بلماضي كتلة من الحركة على خط الملعب: يوجه اللاعبين، يحتفل بالأهداف، يصرخ نحو الحكام بعد قرار يراه غير مناسب أو خطأ قاس على لاعبيه.. على المستطيل الأخضر، المنتخب صورة مدربه: صلابة دفاعية، استحواذ في الوسط، وخط مقدمة فتاك قائم على رباعي موهوب يضم القائد رياض محرز، سفيان فغولي، يوسف بلايلي، وبغداد بونجاح. يجري لاعبو الجزائر خلف كل كرة. يستبسلون في استعادتها إذا ضاعت، أو انتزاعها اذا ما سنحت الفرصة لذلك، كما فعل بونجاح في ربع النهائي ضد ساحل العاج، ممهداً الطريق أمام هدف فغولي الافتتاحي. هذه العزيمة اختصرها النجم المصري السابق محمد أبو تريكة الذي يعمل كمحلل لقنوات «بي إن سبورتس» القطرية، بالقول بعد فوز الجزائر على السنغال إن «الفريق يلعب بروح، لا لاعب يقصّر، الجميع ملتزم». وأضاف «منتخب تشعر بأنه يبذل أقصى ما لديه، لديه إخلاص لا لاعب يكسب بمفرده. المنتخب عبارة عن روح»، مضيفاً «المدرب الذكي العبقري نعمة، وبلماضي (هو) نعمة». في مقابل كل الإشادات، أكانت للمنتخب أم له، يبقى بلماضي متواضعاً. منذ بداية البطولة، قلل من شأن اعتبار الجزائر مرشحة، مذكّرا دائماً بالمرحلة السابقة الصعبة. في أحاديثه، بقيت حسرة الغياب عن المونديال الأخير حاضرة، لا سيما عندما قارن بين منتخب بلاده والمنتخبات الثلاثة الأخرى في نصف النهائي الإفريقي (تونس، نيجيريا، والسنغال)، مذكراً بأن الجزائر هي الوحيدة بينهم التي غابت عن نهائيات روسيا 2018. على المستوى الشخصي، يحاول تفادي أي سؤال يخترق مساحته الخاصة. قالها مرة «سأمرض إذا ما بدأت بالتحدث عن نفسي»، ورد مرة على سؤال عن عدم سروره رغم نتائج المنتخب «بلا، أنا مغتبط»، لكن دون أي تبدل في معالم وجهه. أضاف «ربما أنا متعب لا سيما وأن مباراة أخرى تنتظرنا سريعاً أنا لا أخفي فرحتي، لكن ثمة مباراة أخرى تنتظرنا».