لا تزال الأصداء الإيجابية للاستجابة الواسعة التي قوبلت بها دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من الدول العربية، لعقد قمة عربية طارئة لمناقشة تطورات الأحداث الأخيرة في الخليج، حاضرة ومدويّة؛ فقد جاءت بعد ارتفاع حدة التوتر بين الولاياتالمتحدةوإيران؛ مما يشكل خطورة على أمن الخليج، وكذلك الاعتداء على ناقلتي نفط سعوديتين قبالة سواحل إمارة الفجيرة الإماراتية، وأيضًا محاولة ميليشيات الحوثي الإرهابية استهداف الأراضي المقدسة، وعدوانها الغاشم على محطتي ضخ نفط تابعتين لأرامكو السعودية، وغيرها من الأحداث والمواجهات المتوقع اشتعالها في أي لحظة بالخليج، والتي تمثل إيران بطبيعة الحال قاسمًا مشتركًا فيها لخلق بلبة وإشعال النيران على امتداد منطقة الشرق الأوسط. جاءت "قمة مكة" الاستثنائية في توقيتين زماني ومكاني، لهما دلالة واضحة؛ في أيام مباركات في خواتيم شهر رمضان الكريم الذي نصر الله فيه جنده، في أطهر بقاع الأرض - مكةالمكرمة - التي تحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين في كل أنحاء العالم، كذلك يمثل انعقاد القمة بمكة ردًا حاسمًا وسريعًا على الحوثيين ومن يقف خلفهم بعد محاولتهم الفاشلة الاعتداء على الأراضي المقدسة؛ ردًا ليس من قبل المملكة وحدها، بل من العالم الإسلامي بأجمعه بأن مكة خطٌ أحمر دونه الأرواح. وخرج "إعلان مكة" بتوصيات وقرارات تاريخية حاسمة لوضع حد للعبث الإيراني الذي استمرأ إثارة الفتن والحروب في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق دعم الميليشيات الإرهابية في اليمن وغيرها. هنا ما يؤكد السياسة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين بدعوته للإخوة والأشقاء العرب للتفاكر والتشاور حول تلك القضايا، والخروج بموقف موحد ضد الاعتداءات الإيرانية المتكررة، ليعرّي إيران ويكشفها أمام العالم أجمع بأنها باتت تشكل خطراً على العرب والمسلمين وليس على المملكة فقط. واقع الأمر أن المملكة قدمت "حُسن النوايا" لإيران أكثر من مرة، سواء عبر المواسم الدينية أو القضايا السياسية المختلفة، للتعاون معها؛ حفاظًا على أمن الخليج والمنطقة، ولكن إيران ظلت في كل مرة تطعنها في ظهرها عبر ميليشيات الحوثي التي تخوض حربًا قذرة بالوكالة ضد المملكة، ومعروف أن إيران تخشى المواجهات المباشرة؛ لذلك تتخفى خلف الحوثيين لضرب المملكة، مثلما تفعل الآن في الرد على التهديدات الأميركية الأخيرة بأنها في حال تعرضت لهجوم أميركي ستشعل النار في الخليج كله، وهذا أسلوب الجبناء في الحروب، الهروب من المعركة الكبرى وخلق معارك جانبية والاحتماء خلفها. الأمن القومي العربي كان العنوان العريض لقمة مكة، فأمن الخليج والعالم العربي بات مهددًا بسبب التقاطعات والتحالفات السياسية العالمية، وتحقيق الأمن القومي لن يتحقق بجهود دولة أو دولتين، بل لا بد من توحيد كلمة جميع الدول العربية لمجابهة التحديات والمخاطر الكبرى التي تتربص بها، ويحتّم المصير المشترك للدول العربية والهموم السياسية المتشابهة، على المشاركين في القمة الطارئة الخروج بموقف واحد قوي ومشترك ضد كل المهددات والمخاطر الماثلة والمتوقعة، حتى يشعر العدو - أي عدو - بأن الدول العربية جسم واحد متماسك وقوي، وليس مجرد دويلات متفرقة يسهل الانفراد بها.