ولي العهد: سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وجميع الأديان وثقافات الشعوب يؤمن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بأن التسامح مكون أصيل من مكونات الثقافة السعودية وعصب مركزي في الوجدان الجمعي للأمة، وأن تراث الأمة يحمل صفحات مشرقة من التسامح الإنساني في أروع مضامينه وأبهى صوره وأشكاله، ومن منطلق هذه الأرضية الثابتة يعمل سموه على أن يكون التسامح مع كافة بني البشر قائماً على أسس راسخة وواضحة ودائمة، وليس على حماس لحظي مؤقت؛ سرعان ما يزول أثره ويختفي تأثيره. ومعروف أن الأمم والحضارات الإنسانية المتعاقبة درجت على أن يكون لها مجموعة من الأفكار الحاكمة، تشكل بنيان عقلها الجمعي، وتضبط المسار السلوكي للمجتمع، عبر تنشئة دينية وتربوية وثقافية مدروسة، ومن الطبيعي أن يكون لزعماء وقادة هذه الأمم أفكارهم الحاكمة ورؤاهم ومشروعاتهم التي يعملون على ترسيخها في مجتمعاتهم حتى تسير في وجهة محددة الغاية نحو الهدف، ولا تتخبط في اتجاهات شتى ومتضاربة، ومن هنا كان التسامح أحد أهم الأفكار الحاكمة لدى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وضمن مشروعه الإصلاحي الكبير الذي جمعه في رؤية 2030، في إشارة إلى السقف الزمني الذي يراد خلاله بناء وطن أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، من تعليم وتأهيل، وفرص تتاح للجميع، وخدمات متطورة، إضافةً إلى التوظيف والرعاية الصحيّة والسكن والترفيه وغيره من الاحتياجات الضرورية والرفاهية. ويتبني سموه التسامح عن يقين راسخ وقناعة كاملة؛ انطلاقاً من كون التسامح مفهوما أخلاقيا اجتماعيا دعا إليه الرسل والأنبياء كافة، وجميع المصلحين خلال كل العصور والأزمان؛ لما للتسامح من دور وأهمية كبرى في تحقيق وحدة وتضامن وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات. منهج فاعل ويرتكز مشروع الأمير محمد بن سلمان في التسامح على مرجعية دينية في الأساس، فالتسامح حسب أحكام وقواعد ونظم ومقاصد الشريعة الإسلامية، هو فضيلة من فضائل الأخلاق الكريمة، وحتمية اجتماعية وإنسانية، ومنهج فاعل للتحكم في مسارات الاختلاف بين البشر، والإسلام دين كوني وأممي يتجه برسالته إلى كل بني الإنسان، تلك الرسالة التي تُرسي دعائم السلام والوئام والإخاء على كوكب الأرض، وتدعو إلى التعايش السلمي والإيجابي بين البشر جميعاً، فالجميع ينحدرون من نفس واحدة، كما جاء في القرآن الكريم، كما أن الإسلام يعترف بوجود الآخر المخالف له والمختلف معه في العقيدة ومنهج العبادة، ويقر حرية هذا الآخر في الاعتقاد والتدين، ليس ذلك فحسب بل يعمل على حماية هذه الحرية وصونها، وهو ما يمثل أعمق مبادئ ومعاني التسامح الديني في أروع صوره وأوسع قِيمه على الإطلاق، وبهذا يكون تسامح المسلمين مع أصحاب العقائد الأخرى وحماية حقوقهم الدينية أمرا يدخل في إطار التزامات المسلم الدينية، وأي تجاوز أو عدوان على هذه الحقوق يعد تجاوزاً وعدواناً على تعاليم الدين الإسلامي نفسه. كما ارتكزت رؤية الأمير محمد بن سلمان للتسامح أيضاً على مرجعية الحضارة العربية والإسلامية التي ملأت ربوع العالم في يوم من الأيام بالتقدم في العلوم والآداب وكافة مناحي الحياة، فقد ساهم التسامح في إثراء هذه الحضارة بكل ما يفيد وينفع البشرية جمعاء، فكان البيئة الخصبة المناسبة لازدهار العلوم في جنباتها الشاسعة التي امتدت من الصين في الشرق إلى الأندلس في الغرب، حيث تعاون العلماء على مختلف عقائدهم وأعراقهم على الترجمة، مما أدى إلى ازدهار علوم الطب والصيدلة والفلك والجبر وغير ذلك الكثير من المعارف الإنسانية والعلوم الطبيعية، ويحفظ لنا التاريخ أسماء كثير من الأسر اليهودية والمسيحية ساهمت وسط هذه البيئة في تقدم العلوم كافة في رحاب تلك الحضارة. وبذلك فإن مشروع الأمير محمد بن سلمان في نشر وتأصيل ثقافة التسامح، لم يكن بالمشروع الغريب عن المملكة، بل مستمد بكامله من ديننا الإسلامي الحنيف، ويتسق تماما ًمع تراثنا الحضاري، وتاريخ أمتنا الإنساني العريق. إعلان تاريخي وفي الثاني من أبريل العام الماضي 2018م، وضمن مبادرة مستقبل الاستثمار أطلق الأمير محمد بن سلمان مشروعه الإصلاحي الكبير عبر كلمته المدوية: "سوف نعود إلى ما كنا عليه من الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وجميع الأديان وثقافات الشعوب"، تلك الكلمة التي كانت إعلاناً تاريخياً عن قيام السعودية الجديدة، المرتكزة على ماضيها العريق في احتضان الدين الإسلامي المعتدل، والذي قامت على أسسه السمحاء حضارات إنسانية ملأت الأرض بالخير والسلام، وقد تلقف العالم كلمة الأمير محمد بن سلمان بانبهار شديد وإعجاب متزايد، وظلت هذه الكلمة محور الرأي العام العالمي، وتبارت وسائل الإعلام ومراكز البحوث في إصدار الأبحاث والدراسات والرؤى حول هذا المشروع وتأثيره على مستقبل ازدهار المملكة وكذلك الأمن والاستقرار في الإقليم والعالم أجمع. وعلى صعيد النظرية أيضاً وفي الحوار الذي أجراه الأمير محمد بن سلمان مع مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية، في 9 أبريل 2018م، أي بعد كلمته الشهيرة بأسبوع واحد، بعث برسالة حاسمة إلى كل العالم، وهي أن المملكة التي تتغير، هي دولة معتدلة ومتسامحة إلى أقصى مدى، وأن المملكة دولة إسلامية كبرى، تنتهج الفكر المعتدل، وتتمسك بمبدأ الوسطية، وتلفظ التشدد والعنف، فضلاً عن أنها حاضنة لأفراد المذهبين السني والشيعي، الذين يعيشون على تراب هذه البلاد في تآخٍ وتراحم وود، وأكد الأمير محمد بن سلمان للجميع بأن الإسلام يعني السلام، وأن المملكة باعتبارها أكبر دولة مسلمة وهي مهبط الوحي، فهي داعية إلى السلام، ومنفتحة على الديانات والثقافات الأخرى، وترحب بالحوار بينها، لترسيخ التآلف والمحبة والتسامح بين أفرادها، وأن دولة هذه صفاتها في التعامل مع الشعوب الأخرى، من المستحيل أن تدعم التشدد بأي شكل من الأشكال. لم تقف رؤية الأمير محمد بن سلمان للتسامح عند حد هذا الطرح النظري بل سارع سموه إلى بدء مرحلة التطبيق، وبالفعل فتحت المملكة أبوابها، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، لاستقبال وفود الطوائف المسيحية الشرقية منها والغربية، كما قام سموه بزيارات تاريخية لمعاقل الكنائس المسيحية والقبطية. أمن وسلام وترجم الأمير محمد بن سلمان مشروعه الإصلاحي القائم على التسامح بشكل عملي، من خلال زيارتين إلى مصر وبريطانيا، خلال شهر مارس 2018م، التقى خلالهما ممثلي ورؤساء المسيحيين في الشرق والغرب معاً، كان اللقاء في مصر مع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية في مقره بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة، فيما كان اللقاء في بريطانيا مع رئيس الأساقفة جاستن ويلبي، ففي الخامس من شهر مارس العام الماضي وخلال زيارته للقاهرة كان الأمير محمد بن سلمان أرفع مسؤول سعودي يزور الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في تاريخ العلاقات المصرية السعودية، وفي رسالة للعالم كله تؤكد على مدى التماسك القوى بين أبناء الأمة العربية وأن الأديان تتعايش معا، ثمّن ولي العهد دور الأقباط في استقرار مصر والوقوف مع قضايا الأمة العربية والإسلامية، مؤكداً أهمية دور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة والعالم، وفي حدث فريد وجّه ولي العهد الدعوة للبابا تواضروس لزيارة المملكة، وقد منحت حركة الدفاع عن الأزهر والكنيسة الأمير محمد بن سلمان درع التسامح بعد زيارته للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ولقاء البابا تواضروس الثاني، وذلك لدوره في تعزيز قيم التعايش والتسامح بين الأديان. وفي الثامن من الشهر نفسه وخلال زيارته لبريطانيا التقى الأمير محمد بن سلمان مع رئيس أساقفة كانتربيري جاستن ويلبي، وتسلم خلال اللقاء "مخطوطة القرآن ببرمنغهام"، وهي من أقدم السجلات الباقية للقرآن الكريم، ومكتوبة بالخط الحجازي، فيما أكد اللقاء أهمية دور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة والعالم. المملكة تستقبل وعلى صعيد الزيارات الكنسية رحبت المملكة باستقبال رموز مسيحية أيضاً من الشرق والغرب، فقد التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الرياض في الثاني من نوفمبر الماضي بوفد من مسيحيين إنجيليين أميركيين برئاسة جويل روزنبرغ الخبير في مجال الاتصالات وضم عضو الكونغرس الأميركي السابقة ميشيل باكمان إلى جانب رؤساء منظمات أميركية إنجيلية، وذلك في خطوة نادرة تأتي في ظل مساعي المملكة لمزيد من الانفتاح على العالم ودعم مشروعها الجديد على صعيد التسامح الديني، وقال الوفد المسيحي في بيان عقب الزيارة: "لقد كان استقبال ولي العهد السعودي لزعامات مسيحية إنجيلية في القصر لحظة تاريخية، لقد سعدنا بالصدق الذي اكتنف المحادثة التي استمرت لساعتين"، كما التقى الوفد أيضاً بمسؤولين سعوديين بينهم وزير الخارجية السابق عادل الجبير وسفير المملكة لدى واشنطن السابق الأمير خالد بن سلمان والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، كما قام الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها بزيارة المملكة ثلاث مرات، ثم قام بزيارة رابعة في 29 نوفمبر العام الماضي، تلبية لدعوة الأمير محمد بن سلمان والتي كان قد وجهها له خلال زيارة سموه للكنيسة المرقسية بالقاهرة في ماس من العام الماضي. ثقافة الاعتدال ومن خلال هذه الزيارات التي قام بها الأمير محمد بن سلمان للكنائس الغربية والشرقية، وكذلك استقباله لوفودها في الرياض، أرسل سموه رسائل إلى أمم وشعوب العالم كافة، تؤكد لهم أنه في الوقت الذي يعاني فيه الغرب سواء في أوروبا أو الولاياتالمتحدة من أزمة الخوف من الإسلام -الإسلاموفوبيا- ترفع المملكة وهي دولة المقدسات الإسلامية وبلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي الأمين وقبلة المسلمين راية التسامح الديني ونشر ثقافة الاعتدال وقبول الآخر والتعددية الدينية والمذهبية ومحاربة الفكر المتطرف والمتشدد. وهكذا ساهمت رؤية الأمير محمد بن سلمان للتسامح في رسم صورة ذهنية إيجابية للمملكة لدى قادة وحكومات الدول ولدى الكثير من شعوب العالم والرأي العام الدولي، وقد اكتسبت هذه الصورة صدقيتها من صدق سموه في تبني هذا المشروع وقناعاته التامة بأهميته القصوى، ليس للمملكة فقط، بل للعالم أجمع، والذي بات يعاني من ويلات العنف والتطرف والتشدد والغلو ونبذ وكراهية الآخر، وفي المقابل أدرك العالم وعن يقين أن للأمير محمد بن سلمان نهجاً راسخاً في مسيرة التسامح والتعايش السلمي، وحرية الاعتقاد والتسامح الديني ومكافحة التمييز والكراهية، وكذلك تعزيز التعايش بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة ومنع الإساءة إلى أي دين من الأديان وحماية الحريات. ولي العهد مع رئيس الأساقفة جاستن ويلبي