قال إمام المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم - في خطبة الجمعة - : الموفق من اغتنم باقي لحظات رمضان فالأعمال بالخواتيم ، والعبرة بكمال النهايات ، ومن كان في شهره منيبا وفي عمله مصيبا فليحكم البناء ، وليشكر الله على النعماء. وأضاف : عاش المسلمون في هذا الشهر المبارك زمناً فاضلاً نهاره صيام وليله قيام , عمرت فيه المساجد بالطاعة والقرآن وقرب فيه الخلق من الكريم الرحمن فهم يتقلبون فيه بين ذكر ودعاء وبذل وعطاء , القلوب مخبتة والجوارح مقبلة فذاق العباد فيه شيئاً من طعم الإيمان وحلاوته , وها هي أيامه قد أذنت بالرحيل وأوشكت على الزوال , والموفق من اغتنم باقي لحظاته فالأعمال بالخواتيم ، والعبرة بكمال النهايات ، ومن كان في شهره منيبا وفي عمله مصيبا فليحكم البناء ، وليشكر الله على النعماء ولايكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، فحفظ الطاعة أشق من فعلها ومن دعاء الصالحين : اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه ، ومن كان مقصرا فليبادر بالتوبة النصوح فإن الباب مفتوح ، قال صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ". وتابع : كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل فإنما يتقبل الله من المتقين ، والمؤمن يجمع بين إحسان ومخافة حاله كما قال سبحانه : " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " ، ولئن انقضى شهر رمضان فإن زمن العمل لا ينقضي إلا بالموت قال عز وجل : " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " ، وقليل العمل العمل الدائم خير من كثير منقطع ، ومن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها ، وما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها ، وأحسن من ذلك الحسنة بعد الحسنة تتلوها. وأضاف : في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيمٌ للصالحين وقرة عين للمؤمنين , قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ، مؤكدا أن الحياة أنفاس معدودة وآجال محدودة , وإن عمراً يقاس بالأنفاس لسريع الانصرام وفي انقضاء رمضان عبرةٌ بزوال الدنيا وما فيها , وكأنكم بالأعمال قد انقضت وبالدنيا قد مضت وحينها كل عبد مرهون بعمله والفائز من استجاب لداع ربه وكان من المحسنين . وبين خطيب الحرم أن الله خص هذا الشهر بزكاة الفطر عند ختامه طهرة للصائمين وطعمه للمساكين , ومقدارها صاع من غالب قوت البلد يخرجها المرء عن نفسه وعن من يعول ووقت إخراجها المستحب قبل صلاة العيد ويجوز تقديمها قبل ذلك بيوم أو يومين ، وفي ختام رمضان يتأكد التكبير من غروب شمس آخر أيامه إلى صلاة العيد , قال تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , ومن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله.