الجميع في حالة انتظار التحرك الإيراني تجاه التصعيد الأميركي الذي لن يتوقف عند مجرد وصول معداته، بل حتماً سيبدأ مهمات استخباراتية ولوجستية لتطهير المنطقة من آثار التمدد الفارسي، قبل أن تبدأ المهمة الكبرى في الداخل الإيراني.. أربعة عقود مضت على العلاقات الأميركية الإيرانية من دون أن تعلن عن ميلاد مرحلة جديدة من الاستقرار وبناء الثقة بين البلدين، أو التفاهمات التي تعزز المصالح المشتركة بينهما، حيث لا تزال المناورات السياسية والعسكرية والاقتصادية رهينة الأحداث والمستجدات التي تغذي وجهة نظر طرف على آخر، وتعيد تموضع حلفاء كل جانب في المكان الذي يعيد التوازن إلى سياساته ومواقفه، والتعبير بقلق وخوف من أي عملية تصعيد محتملة. مؤشرات كثيرة تركتها أميركا وإيران في علاقتهما المتوترة منذ اندلاع الثورة الخمينية 1979، بدءاً من أزمة احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران، واستهداف المصالح الأميركية في بيروت والكويت، وفضيحة (إيران-كونترا)، وتوترات الخليج في الثمانينات، والعقوبات الاقتصادية في التسعينات، ومروراً بتطور العلاقات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغزو العراق، -رغم اكتشاف المواقع السرية النووية في 2002-، ثم بلوغ الخلافات ذروتها بين عامي 2006-2010؛ بسبب البرنامج النووي الإيراني، وأسفرت في 2013 عن بدء المفاوضات بين الجانبين، والوصول إلى اتفاق تاريخي مع إيران حول برنامجها النووي، وانتهاءً بحقبة الرئيس ترمب الذي أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق مع مجموعة (5+1)، وفرض عقوبات اقتصادية، واتهام إيران صراحة بتهديد حلفاء ومصالح أميركا في المنطقة. كل هذا التاريخ لم يكن مسلسلاً يخفي معه علاقات أكثر دفئاً بين البلدين، أو مصالح عبور لتحقيق مكاسب على حساب حلفاء أكثر وضوحاً، ولكنه في الواقع يعكس حالة من عدم التوافق، والقبول، أو الارتياح في تعاملات البلدين مع بعضهما البعض، وهو ما جعل الرئيس ترمب يصل إلى قناعة راسخة من أن حلفاء أميركا ومصالحها أهم من مستقبل العلاقة مع إيران، أو محاولة ترميمها على أمل أن تعود إلى رشدها، بل أكثر من ذلك أن بقاء النظام الإيراني بهذه الأيديولوجية الطائفية الثورية مهدد لاستقرار المنطقة، ومحبط لمشروعات السلام فيها، وعلى رأسها تسوية النزاع العربي الإسرائيلي التي سيعلن عن مبادرته للحل الشهر المقبل. اليوم هناك حالة تصعيد أميركي ضد إيران في المنطقة بعد إرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى مياه الخليج، ومقاتلات بي-52، ومنصة صواريخ باتريوت، وكلها مؤشرات يراها البعض على أنها حرب محتملة، بينما يراها البعض الآخر مجرد مواصلة الضغط على إيران لتنصاع إلى الإرادة الأميركية في الشرق الأوسط، أما إيران فتراها على لسان قائد الحرس الثوري حرباً نفسية، وعلى لسان قائد القوات الجوية فرصة للنيل منهم، وفي كل الأحوال تبقى كافة الاحتمالات واردة. الأميركان في مايو 2018 أعلنوا عن 12 مطلباً للتفاوض مع إيران، أو مواجهة مصيرها من خلال ثلاثة سيناريوهات، الأول دعم الاحتجاجات الشعبية ومواصلة الضغط الداخلي، والثاني دعم المعارضة في الخارج، والثالث عمل عسكري، ولا تزال تلك الخيارات قائمة، ومتداخلة، ونشطة فيما بينها، ولا يمكن أن تصل إلى مبتغاها من دون أن يكون هناك حراك عسكري أميركي ملموس على الأرض وهو ما تحقق بوصول حاملة الطائرات، وعجّل باجتماع الرئيس روحاني مع حكومته للنظر في درجة التهديد الأميركي، ودعوته إلى توحيد الصفوف بين الأحزاب السياسية، بينما في الواقع هو يبحث بنفسه عن حل إما الاستسلام للإرادة الأميركية، أو انتظار سقوط النظام بثورة شعبية مضادة، أو التصعيد العسكري معها ومع حلفائها في المنطقة، وفي كل الأحوال لن يكون هناك إمبراطورية إيرانية، أو أحزاب أو ميليشيات مدعومة من قبلها، أو حتى مشروع تصدير للثورة، أو تدخل في شؤون الدول العربية، ما يعني سقوط ثورة الخميني من أساسها في نصرة المستضعفين كما تدعي. الجميع في حالة انتظار التحرك الإيراني تجاه التصعيد الأميركي الذي لن يتوقف عند مجرد وصول معداته، بل حتماً سيبدأ مهمات استخباراتية ولوجستية لتطهير المنطقة من آثار الوجود الإيراني، وتحديداً في اليمن، وسورية، ولبنان، والعراق، قبل أن تبدأ المهمة الكبرى في الداخل الإيراني، وكل ذلك متزامن مع مبادرة السلام الأميركية للنزاع العربي الإسرائيلي.