ذكر الهمداني أنّ ظاهرة بناء المساجد المباركة على قمم الجبال العالية كانت منتشرة في جنوب الجزيرة العربية من ذلك جبل حضور وضين ورأس بيت فائس وغيرها. يقول الهمداني: وأمّا الجبال المقدّسة عند أهل اليمن فجبل حضور وضين ورأس بيت فائس..إلى أن قال: وفي رؤوس هذه الجبال مساجد مباركة مأثورة. ولم يقتصر ذلك على بناء المساجد على رؤوس الجبال عند المسلمين بل كان ذلك شائعاً حتى عند الإغريق في جبل أوليمبوس الذين بنوا عليه أشهر الكنائس، كما بُنيت المعابد على قمم جبال ميتيورا ودلفي وهي من أشهر وجهات السياحية الدينية اليوم في اليونان. وفي القارة الأفريقية تنتشر هناك الكنائس المبنية على قمم الجبال مثل كنيسة هايلزيلاسي التي نحتت داخل صخر في أعلى الجبال الشمالية لاثيوبيا. ولعل هذه الممارسات لم تأتِ بهذا التوافق بين أمم الأرض بمحض الصدفة بل ربما الأمر كله مستوحى من قصص تلقي الأنبياء والرسل الوحي الإلهي على قمم الجبال أيضاً كما هو الحال في تلقي موسى عليه السلام الألواح على جبل الطور، وكذلك تلقي محمد عليه الصلاة والسلام الوحي في غار حراء أعلى قمة جبل النور بمكة المكرمة. والحقيقة أن الصعود على القمم العالية فيها من الشعور بالرهبة مالمسناه وعايشناه في صعودنا لقمة جبل شدا الأعلى مما يجعل المرء في حالة من الروحانية والشعور بالخوف والرهبة الأيمانية نتيجة تحرر النفس من ارتباطها بالمادة ومن كل المؤثرات والمشتتات وإحساسها بالقرب من السماء حيث المناجاة مع الرب في تجليات روحية تتسامى وتتصالح معها النفس. وفي قمة جبل شدا الأعلى بمنطقة الباحة أو (إفرست الجزيرة) كما سماها العلامة حمد الجاسر وعلى ارتفاع يصل إلى 2222 مترا يوجد مسجد صغير جدًّاً مساحته لا تزيد على تسعة أمتار مربعة تقريباً بني على كامل محيط قمة الجبل لكن قبلته تتجه إلى القدس وذلك حسب قياسات (قوقل)! لم يعد له سقف اليوم فقد تآكل ولم يبق منه شيء، والوصول إلى المسجد يستغرق قرابة أربع ساعات مشيًا على الأقدام من أقرب قرية إلى القمة بين جنادل الصخور والأحراش. المسجد يطلق عليه مصلى إبراهيم لكن لا أحد يعرف من هو إبراهيم، والذين قالوا بنسبته لإبراهيم بن أدهم بعيدون عن الحقيقة، فابن أدهم زاهد ولد في بلخ وعاش وتوفي في الشام في القرن الثاني الهجري ولم يصل الجزيرة العربية إلا حاجاً ولمرة واحدة ليبق المسجد على تلك القمة النائية لغزا يصعب حله. بقي أن نشير إلى ما قاله جيرالد دي غوري وهو من أواخر الرحالة البريطانيين الذين وصفوا جزيرة العرب بقوله: "هناك واديان في عسير واليمن والحجاز وخرائب قد تقدّم ذات يوم لعلماء التاريخ وللعالم معرفة أكبر بالدول القديمة.. وبالممالك الأقدم لشبه الجزيرة العربية.