تصل إلى مراكز الشرطة كثير من القضايا الأسرية، حيث تستهلك جزءًا من عمل الضباط والعساكر، الأمر الذي يحوّلهم وكأنهم مصلحون اجتماعيون، مما قد يتسبب في تعطيل عملهم الأصلي ويعيق تنفيذ مهامهم الضرورية، ليبرز السؤال: لماذا لا يتم استحداث شواغر في المجال النفسي والاجتماعي في مراكز الشرطة، رجالاً ونساء، يهتمون بمعالجة الحالات الأسرية وحالات المراهقين التي تصل إلى الشرطة، قبل تحويلها للنيابة وأخذها للمسار الأمني؟، حيث يتطلّب تفهم حالات الأشخاص الذين يعانون من مشاكل اجتماعية أو أسرية، والذين يعانون من اعتلالات نفسية أيضاً، فالملاحظ التعامل مع الكل من منطلق واحد وهو «الجميع مجرمون»، وهنا أصبح لا بد أن يكون التدريب النفسي جزءًا من تعليم العاملين في مراكز الشرطة قبل الانخراط في العمل، وقد نحتاج إلى متخصصين غير عسكريين في مراحل لاحقة. مهارات فنية وقالت مشاعل الدخيل -رئيسة القسم النسائي بلجنة رعاية السجناء وأسرهم والمفرج عنهم (تراحم)-: إن الحاجة تكمن إلى وجود مختصين لديهم المهارات المهنية للتعامل مع الحالات التي ترد مراكز الشرطة، والعمل على احتواء الكثير من المشاكل، خصوصاً تلك المشاكل القابلة للتصعيد من الوصول إلى ما يحمد عقباه، مُشددةً على ضرورية التدخل المبكر أثناء حدوث المشكلة من قبل مختصين لديهم تقنيات مهنية وفنية، خصوصاً في المعالجة، سواءً على مستوى المراهقين أو الكبار، تسهم في الحد من استفحال المشاكل وتطورها إلى أبعاد خطيرة تضر كثيرًا الشخص نفسه، وتطول كل من لهم طرف في المشكلة بدون مبرر، مضيفةً أن الحاجة إلى هذه الشواغر ضرورية ومهمة لمرحلة الشباب، فهي مرحلة حساسة لها معاناة، خاصةً في ظل المتغيرات التي لها التأثير السلبي على الشباب، إضافةً إلى غياب منظومة القيم والقدوة الأسرية بسبب انشغال جميع أفراد الأسرة وضعف دورها التربوي، الأمر الذي أفقد الكثير من الشباب الاتزان والاستقرار النفسي أو الاجتماعي أو الأسري وغيره، مؤكدةً على مواجهة رجال الأمن بعض الصعوبات في التعامل مع بعض الحالات من المراهقين، خصوصاً الذين لديهم معاناة وغير أسوياء وقد تصل صعوبة التعامل مع هذه الفئة إلى تفاقم المشكلة واحتدام الخلاف إلى أن تصل إلى محطة خطيرة جدًا لا يمكن تداركها ولا يمكن حلها، مشيرةً إلى أن وجود أشخاص مختصين في المجال النفسي والاجتماعي يسهم في علاج وانخفاض نسبة العودة للمشكلة ذاتها بشكل كبير جدًا. مردود إيجابي وطرح محمد الحمزة -أخصائي اجتماعي- رأيه حول هذا الموضوع قائلاً: في أحد مراكز الشرطة جلس الجميع في انتظار الضابط حتى يفرغ من حواره مع أطراف قضية أسرية، ورغم وجودهم في غرفة مغلقة إلاّ أنّ كل التفاصيل كانت منقولة بسبب أصواتهم العالية، إضافةً إلى أسلوب معالجة القضية الذي كان بالطريقة التقليديّة والتي لا تخلو من التذكير بالصفح والتسامح وبالنخوة و»الفشيلة»، دافعاً إياهم تجاه الصلح حتى لا تأخذ المسار الرسمي، وبعد أكثر من ساعة انتهى الحوار على لا شيء، ورجع أحد الأطراف إلى الحجز حتى يتم عرضه في اليوم التالي على النيابة العامة، هنا يتبادر إلى الذهن عدد من التساؤلات: هل دور ضابط الشرطة إصلاح أسري واجتماعي؟، أم دوره هو تطبيق النظام والقانون لتحقيق الأمن؟، ما ذنب صاحب القضية عندما يتم إحراجه والضغط عليه باتجاه الصلح والتنازل عن حقه لاعتبارات اجتماعية؟، في المقابل هناك سؤال جوهري: ما دور الشرطة في المسؤولية الاجتماعية كونها جهازاً أمنياً مهماً؟، أسئلة كثيرة تنهال هنا وهناك تحتاج لإجابات، مبيناً أننا لا نلوم ضابط الشرطة لأنه يقوم بدور إنساني بالدرجة الأولى ودور اجتماعي بحكم عدم وجود أقسام للخدمة الاجتماعية، مشيراً إلى أن مراكز الشرطة في أشد الحاجة لقسم الخدمة الاجتماعية الذي يفترض به أن يؤدي دوراً اجتماعياً في مساندة الدور الأمني المتعلق بالقضايا الأسرية والاجتماعية، فمراكز الشرطة تشهد العديد من أنماط المشكلات الأسرية بين الأزواج والأرحام، وبين الآباء والأبناء أو حتى بين الأقارب والجيران في قضايا جلّها اختلاف وجهات نظر، ولا تكاد تصل إلى مستوى الجريمة، مثل دورها في تبادل الأطفال بين المطلقين، إضافةً إلى مشكلات المراهقين بمختلف درجاتها، فيستهلك ذلك جهداً ووقتاً كبيراً من طاقة العمل، والذي يكون على حساب مصالح مهمة أخرى من تتبع للجرائم والمجرمين والسعي إلى نشر الأمن وتحقيق السلام. وأضاف: قسم الخدمة الاجتماعية يتركز عمله في التخفيف من مثل هذه المشكلات المجتمعية ومباشرتها في بدايتها بالتوازي مع الإجراءات الأمنية، في وجود نظام وإجراءات تحكم وتنظم عملها عبر وجود اختصاصيين اجتماعيين مؤهلين، وذلك حتماً سيكون له مردود إيجابي كبير على سير العمل وسرعة إنهاء القضايا، وسيؤثر على المجتمع بتقديم خدمة إصلاحية للمشكلات الأسرية والاجتماعية، ويبقى الهدف الأكبر من وجود هذا القسم هو تحقيق أكبر قدر من السلم الاجتماعي بين أفراد المجتمع وبالذات بين الأقارب والجيران، وتخفيف حدة التوترات والمشكلات وتحقيق الاستقرار. أهمية كبيرة وأوضح مساعد الطيّار -مستشار أسري- أنه مع التغيرات الاجتماعية المتسارعة نحن بحاجة إلى وجود الاخصائيين الاجتماعين والنفسيين في مراكز الشرطة، حتى يساعد ذلك على معالجة القضايا الأسرية والتخفيف من القضايا المحالة للنيابة العامة، وبالتالي الحد من انتشار المشكلة وتشعبها، إلى جانب الحاجة الكبيرة والملحة لهذه الشواغر سواءً نساء أم رجال، نظرًا لتنوع المشكلات وتعدد أسبابها وحاجتنا الكبيرة للتخصص في التعامل مع القضايا والمشكلات الاجتماعية، مضيفاً أن أبرز الصعوبات التي تواجهها مراكز الشرطة هو مدى فهم خصائص المراهقين أو معرفة الدوافع النفسية والاجتماعية للجرائم، أو الوقوع في الأخطاء ومدى كيفية التعامل النفسي مع الشخصيات المتنوعة، مبيناً أن وجود الاخصائي له أهمية كبيرة وما يدل على ذلك قرار مجلس الوزراء بإضافة فقرة للمادة الحادية والسبعين من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: «يكون سماع أقوال المتهم في قضايا العنف الأسري والتحقيق فيها بحضور أخصائي نفسي أو اجتماعي من ذوي الخبرة عند الحاجة»، حيث إن أهم الحالات هو ما يختص في العنف الأسري وعقوق الوالدين والتي يتطلب أهل الاختصاص لمعالجة المشكلة. تعامل خاص وقالت سارة الدوسري -أخصائية اجتماعية في لجنة تراحم-: إن مهنة الاختصاصي إلى الآن لم تجد الاعتراف الكامل لها في جميع التخصصات ومراكز الشرطة على وجه الخصوص، حيث كان هناك توصيات على ايجاد وظيفة اختصاصي اجتماعي ونفسي فيها ولم تطبق حتى وقتنا هذا، منوهةً على الأهمية والحاجة الملحّة لوجود اختصاصي اجتماعي في مراكز الشرطة لما فيها من منازعات وخلافات تحتاج إلى الحوار والتروي بين رجُل الأمن والمواطن، ويأتي دور الاختصاصي هنا حيث يكون الوسيط بينهما، مضيفةً أن المراهق بشكل عام يحتاج إلى تعامل خاص نظرًا إلى التغيرات النفسية والاجتماعية والبيولوجية التي تعتريه في هذه المرحلة العمرية، إذ إن العصبية الزائدة تتسبب في تفاقم المشكلة مع رجال الأمن، إضافةً إلى الضغط النفسي الذي يشعر به، فلا بد من وجود مختص يساعد في فهم المرحلة العمرية والنفسية للمراهق، ذاكرةً أن استحداث شواغر في المجال الاجتماعي والنفسي سينعكس بشكل إيجابي وتغير جذري، حيث يتحدث المواطن مع مدني مثله ويمثله بعيداً كل البعد عن الرتب العسكرية، كي يشعر المواطن أن الذي أمامه محل ثقة للتحدث إليه ويشعر بمزيج من الهدوء والسكينة والطمأنينة، مؤكدةً على أن استحداث الشواغر ستفيد المراهقين بشكل عام، وأيضاً الذين يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية. دور فعّال وأوضحت رندا المسعود -حاصلة على شهادة الماجستير في مسار العلاج الاجتماعي- أن الاختصاصي النفسي والاجتماعي له دور فعّال مهم في تقدم المجتمع وتنميته، ودوره في العديد من المراكز والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والطبية، وبالتالي عمل الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في مراكز الشرطة يعمل على حدوث تغيير إيجابي سواءً مع رجال الشرطة أو الحالات، وغياب ذلك يكون لعدة أسباب مختلفة، عدم إتاحة استحداث وجود شواغر وظيفية للاختصاصيين نتيجة لضعف معرفة الدور المهني والعملي للاختصاصي الاجتماعي والنفسي، خاصةً في المجال التأهيلي أو مجال رعاية الأحداث والمنحرفين، إضافةً إلى عدم وجود دراسات علمية حديثة تشير إلى حالات مراكز الشرطة وأهمية دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي فيها، مضيفةً أن استحداث هذه الشواغر قد يساهم في خدمة أفراد المجتمع حيث تتيح لهم فرصة ممارسة أدوارهم وفق أساليب مهنية كتقديم الدعم النفسي للحالات الموجودة في مراكز الشرطة، إلى جانب المساهمة في احتواء أي خلافات أو سلوكيات قد تحدث من الحالات، والقدرة على التعامل مع أي خلافات أو مشكلات أسرية قد تحدث داخل المركز، وتبصير الحالات داخل مراكز الشرطة بشأن وضعها الحالي، وما قد ينتج عنه من أضرار مستقبلية وتوجيهها للمسار الصحيح، أيضاً يمكّن متابعة الحالات وتكرار دخولها لمراكز الشرطة، إذ يبعث على استحداث أساليب علاجيه تقلّل من تكرار بعض المشكلات، وإيجاد حلول ملائمة لأفراد المجتمع، إضافةً إلى إمكانية الاختصاصي بمتابعة الحالات حتى بعد خروجها سواء مع الحالة نفسها أم مع الأسرة والبيئة المحيطة به، مبينةً أنه من جانب آخر يساعد الاختصاصي رجال الأمن في أداء مهامهم الجنائية، حيث يتعامل مع المواطن أو الحالة حسب تشخيصه المهني، وبالتالي يعمل على دور المرشد والموجّه والمستشار وغيره من الأدوار. وأشارت إلى أنه قد يواجه رجال الشرطة بعض الصعوبات، من خلال وجود سلوكيات خاطئة من قبل حالات المراهقين تحتاج إلى استخدام أساليب مهنية تقلّل من المشاعر السلبية وتضبط السلوك والأفعال المتوقع حدوثها أثناء دخولهم إلى مراكز الشرطة، إلى جانب صعوبة التعامل مع حالات الانفعال وحالات العنف الجسدي أو اللفظي لدى المراهقين.. حيث استحداث هذه الشواغر يساعد على إزالة الرهبة بين الحالة ورجال الشرطة، إذ يعد الاختصاصي أكثر تفهمًا للحالة والبيئة المحيطة بها. عمل الاختصاصي الاجتماعي في مراكز الشرطة يُحدث تغييراً إيجابياً في القضايا محمد الحمزة مساعد الطيّار