يخوض العالم الصناعي معترك فرط ثورة النفط الصخري والتي تقود زمامها الولاياتالمتحدة وسط موجات من الذهول حيال الاكتشافات الضخمة المتلاحقة لأكبر الحقول والقدرات الإنتاجية المهولة التي تتزعمها الولاياتالمتحدة والتي أحدثت خللاً في بوصلة القوى العالمية النفطية وتحويل اتجاهها من الشرق للغرب مكتسحة أيضاً كافة المزايا النسبية من حيث وفرة وقلة تكلفة اللقيم في أكبر طفرة يشهدها العالم لموارد الطاقة غير التقليدية المتمثلة في النفط والغاز الصخري، في وقت احتدم الجدل حول ديمومة هذه الثورة النفطية الصخرية ومدى نضوبها وتحديات التنقيب والإنتاج والتكلفة والجودة والكفاءة وفرص التصدير والتكهنات حول مدى قوة منافسته للنفط التقليدي وزحزحته عن المشهد الصناعي. وفي خضم تداعيات هذه الثورة وأسرارها كشف ل»الرياض» د. أنس بن فيصل الحجي الاقتصادي العالمي المتخصص بشؤون الطاقة والمستثمر في قطاع النفط الأمريكي، على إثر مشاركته في منتدى الطاقة السعودي الذي استضافته الرياض أخيراً، عن تطورات هائلة في صناعة النفط الصخري الأميركي حيث أصبحت الولاياتالمتحدة أكبر منتج للنفط وللغاز الطبيعي في العالم ومن أكبر مصدري المنتجات النفطية وقريبا ستصبح من كبار منتجي ومصدري الغاز المسال. مؤكدا أن ما حصل على أرض الواقع هو ثورة حقيقية قلبت المفاهيم السائدة في صناعة النفط العالمية رأساً على عقب، وغيرت الاتجاهات الصاعدة إلى هابطة، والهابطة إلى صاعدة. ولمعرفة الأثر الحقيقي، لفت د. الحجي إلى أن إنتاج النفط الصخري الأميركي أكبر من إنتاج الكويت والإمارات معا من النفط، ومن المتوقع أن تساهم مئات الملايين من السيارات الكهربائية في تخفيض الطلب على النفط ما بين 5-6 ملايين برميل يوميا خلال 30 سنة، في حين أضاف النفط الصخري حوالي 7 ملايين برميل يوميا خلال 7 سنوات، مشدداً أن أي إنكار لثورة الصخري ودورها في أسواق النفط والغاز العالمية هو مجرد خيال! محذراً من استخدام متوسط التكاليف لإنتاج الصخري ومقارنته بأسعار النفط، وهو أمر شاع في الإعلام الخليجي، حيث إن هذا هو متوسط لنطاق واسع من التكاليف يتراوح ما بين 32 دولارا و75 دولارا للبرميل. كما حذر من عدم فهم أثر التفريق بين التكاليف الثابتة والتكاليف المتغيرة، حيث قال إنه في حال انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، فإن المهم لأي منتج هو تكاليف التشغيل أو التكاليف المتغيرة، وليس التكاليف الكلية، والتي تتراوح بين 18 و26 دولارا للبرميل. وأشار د. الحجي في مشاركته في ذات الموضوع في منتدى الطاقة السعودي بالرياض، والذي حضره وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية م. خالد الفالح ونخبة من مسؤولي وخبراء الطاقة السعوديين والعالميين، إلى بعض المفاهيم الخاطئة عن ثورة الصخري الأميركية مركزاً على المفاهيم الإيجابية والسلبية، ملفتاً إلى السبب الرئيس وراء هذه الثورة والتي عزاها للملكية الخاصة للموارد الطبيعية وذلك بالرغم من دور التقدم التكنولوجي وتوافر رأس المال والعمالة الماهرة والإطار القانوني المناسب. وفي سؤال عن إمكانية انتشار هذه الثورة عالميا أكد الحجي صعوبة ذلك لأسباب من أهمها الملكية الخاصة في الولاياتالمتحدة، إلا أن هناك عوامل أخرى منها عدم توافر الماء اللازم للتكسير المائي وعدم توافر الخبرات، وارتفاع التكاليف. وأشار إلى الفكرة الخاطئة الشائعة في العالم بأن شركات الصخري خاسرة، إلا أن هذا يتعارض مع قيام شركات خاصة بإنتاج 7 ملايين برميل يوميا ولم تخسر، كاشفاً عن حقيقة أن النفط الصخري يتم تطويره من قبل المنتجين المستقلين في شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، ولم تدخل شركات النفط العالمية الصخري إلا في وقت متأخر. وهذا يعني أن قدراتها المالية محدودة، ومع ذلك لم تفلس، حتى مع انخفاض الأسعار في عامي 2015 و2016، ولهذا فمن الواضح أن هناك جهلا في الموضوع. ربحية الصخري وضرب د. الحجي مثالًا على ربحية النفط الصخري حيث ذكر أن ما يحصل في استثمارات الصخري هو قيام صندوق تمويل أو بنك بتمويل فريق متخصص بمقدار 50 مليون دولار، مثلا، حيث يقوم الفريق بشراء أصول من شركات أخرى فيها آبار واحتياطات مؤكدة. ثم يقوم بحفر المزيد من الآبار، وإثبات المزيد من الاحتياطات. في وقت يعني الاستمرار في حفر الآبار المزيد من الاستثمار ووجود تدفقات نقدية سالبة، ولكن قيمة الشركة تزداد باستمرار، وبعد ثلاثة سنوات يتم بيع هذه الشركة لشركة أكبر بمقدار 250 مليون دولار ما يعني تحقيق أرباح كبيرة. وذكر د. الحجي أن ثورة الصخري ولدت طبقة واسعة من أصحاب الملايين في الولاياتالمتحدة، بعضهم في العشرينيات من العمر، في حين لو أن شركات النفط الصخري خاسرة فمن المستحيل الإقدام على شرائها فما بالك بشرائها بأعلى سعر وبخمسة أضعاف رأس مالها ما يؤكد الربحية المطلقة لاستثمارات ثورة الثروة النفطية الصخرية الأميركية. نضوب الصخري وشيك وفي تعليقه على ارتفاع معدلات النضوب في آبار النفط الصخري قال الحجي: إن معدلات النضوب تحسنت وأصبحت أقل من قبل، ولكنها مازالت مرتفعة، الأمر الذي يعني أن كل الإنفاق الاستثماري بعد عدة سنوات سيذهب إلى المحافظة على الإنتاج فقط دون أي زيادة. كما ذكر أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها النفط الصخري هو نوعيته، والذي يعني أن النفط الصخري سيخنق نفسه بنفسه. وقال إن هناك مشكلتين هما عدم مواءمة نوعية النفط الصخري لقدرة المصافي التكريرية، وعدم مواءمة ما يمكن إنتاجه من الصخري من منتجات نفطية مع المنتجات النفطية المطلوبة في المستقبل. محذراً من أن تبجح وكالة الطاقة الدولية الدائم بكمية الصخري التي سيتم إنتاجها في السنوات القادمة هو رسالة لكافة المنتجين حول العالم، بما فيها الدول الأعضاء في أوبك، بعدم الاستثمار، إلا أن عدم جدوى الصخري من ناحية النوعية يعني أن بذور أزمة نفطية عالمية قد زُرعت. وسيساعد على نموها شركات النفط العالمية التي توسعت في غرب تكساس مؤخرا على حساب استثماراتها العالمية طويلة المدى. واختتم د. الحجي طرحه بهواجس قلق من توسع شركات النفط العالمية في الصخري، خاصة في غرب تكساس، لأن هذا يعني تحول من دورة استثمارية طويلة المدى ألفتها الشركات ومارستها على مدى عقود، إلى دورة استثمارية قصيرة المدى كل ما فيها جديد على هذه الشركات. ومن الواضح أن الهدف هو تصدير كل الزيادة في الإنتاج إلى مصافي هذه الشركات في الدول الأخرى، إلا أن مصافي هذه الشركات لا يمكنها استيعاب هذه الكميات من النفط الخفيف الحلو. ونظرا لارتفاع معدلات النضوب من جهة، والمشاكل النوعية من جهة أخرى، فإن الولاياتالمتحدة ستعود إلى زيادة اعتمادها على النفط الخليجي بعد بضع سنوات من الآن.