إذا حفظ العبد اللهَ تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حفظه الله تعالى، ومن نال هذا نال خيري الدنيا والآخرة، واجتمعت له أصنافٌ عزيزةٌ من العافية والسلامة التي لا يعادلها شيء من المرغوب فيه عند كل أحد أن يكون محفوفاً بحفظ الله ورعايته، وكثيرٌ من الناس يبذل جهوداً مُضنيةً في تحصيلِ أسبابٍ يراها حافظةً من الآفات، ولا يستحضر أن أهم أسباب الحفظ أن يحفظَ العبدُ ربَّه لينال بذلك حفظ الله له، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: بَيْنَا أنَا رِدْفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لِي: «يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ جَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَرُفِعَتِ الصُّحُفُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جَهِدَتِ الْأُمَّةُ لِتَنْفَعَكَ بِغَيْرِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَا اسْتَطَاعَتْ»، أخرجه أحمد وغيره، فإذا حفظ العبد اللهَ تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حفظه الله تعالى، ومن نال هذا نال خيري الدنيا والآخرة، واجتمعت له أصنافٌ عزيزةٌ من العافية والسلامة التي لا يعادلها شيء، فمن أصناف الحفظ التي ينالها من حفظ ربَّه: أولاً: أن يحفظ له دينه الذي هو عصمة أمره، وهذا أهم أنواع الحفظ، وكم عصم الله العبد من قبائح تخدش الديانة، وتخرم المروءة بسبب وقوفه عند حدود الشرع، وهيبته من اقتراف ما نهاه عنه الله تعالى، ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها لما قال أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها ما قالوه لم تحملها المنافسة بينها وبين عائشة على الوقيعة فيها، بل أنصفتها وقالت: أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا، وعلقت عائشة على هذا قائلة: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ. ثانياً: أن يحفظ في أهوال الحياة الآخرة، ويبدأ ذلك في ساعة الاحتضار حيث يحفظ الله المؤمن من الزيغ، ويتوفاه مؤمناً لا مُبدّلاً، وتلك أولى خطوات النجاح الأكبر، ثم يُثبّتُهُ بالقول الثابت عند سؤال الملكين له في القبر، وعند الحشر يُكرمُهُ ويؤمنه من الأهوال {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ولا يكاد الحفظ في هذه المواطن الهائلة يُعدلُ بأيِّ نعمة، فمن حفظ فيها كان مآلُهُ نعيماً يُنسيه ما أصابه من نكد الدنيا، ومن هلك فيها لم ينتفع بما حظي به في الدنيا من العافية. ثالثاً: أن يحفظ في بدنه وصحته، والله تعالى يدفع عن المتقي كثيراً من الآفات والبلايا، ويحوطُهُ بحفظه ورعايته، ويعافيه من طوارق الليل والنهار، وإن كثيراً مما يفتك بالأبدان مُحرّمٌ تعاطيه شرعاً، فمن اتّقى الله كُفيَ شرّ الكثير من المهالك، قال الإمام ابن رجبٍ رحمه الله تعالى: "ومن حفظه الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوّته وعقله، كان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو مُمتّعٌ بقوّته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً، فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال: إنّ هذا ضعيفٌ ضيّع الله في صغره، فضيّعه الله في كبره". رابعاً: حفظه في عرضه، وذلك أن تقوى الله تعالى حجابٌ واقٍ من ارتكاب خوارم المروءة، فإن المسلم مأمورٌ بصيانة عرضه، ومنهيٌّ عن ابتذاله، فمن كان مُتّقياً لله استبرأ لدينه وعرضه؛ وأيضاً فمن قوام الورع والتقوى التّسنن بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرّي الأخذ بسمته، ومن كان كذلك فقد استمسك بغرز المكارم، ولهذا لو تصفّحت قوائم من خَلّدَ التاريخ عنهم القبائح التي تلتصق سبّتها بالناس على امتداد الأيام لم تجد من بينهم أهل الورع والتقوى، حاشا لله أن يكون من حفظ الله تعالى من زمرة هؤلاء، فلسان حاله: ما أبعدَ العيبَ والنُقصانَ من شيَمي ... أنا الثُريّا وذانِ الشّيبُ والهرمُ خامساً: حفظه في ذريته من بعده، وقد قصّ الله تعالى علينا كيف حفظ لابني الرجل الصالح أموالهما، حتى أمر الخضر عليه السلام بإقامة الجدار الذي يقي كنزهما (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). ها هو العبد الصالح قد ودّع ابنيه يتيمين، فحفظه الله تعالى فيهما، ومعلومٌ أن مآل الذرية من أكثر الأشياء التي تشغل تفكير الوالدين، ولا يكاد ذو ذريّةٍ يتفكّر في الموت إلا طاردته هذه الهموم، فاحفظ الله تعالى يحفظك في أمورك الدينية والدنيوية كلها.