اقترحت مصطلح الكتابة الوجيزة لتأصيل التغريدة أدبياً النشر الإلكتروني زاد من سلطة المبدع على قارئه * كتابك الأشكال الأدبية الوجيزة في فضاء تويتر، ومن هذا العنوان هل الكتاب يتجه إلى القارئ الأدبي أم هو لكل مغرد يستخدم تطبيق تويتر؟ * يتجه الكتاب للقارئ والمبدع والناقد ولكل مهتم بموضوع الأدب المنشور في موقع تويتر، ويهدف إلى الإجابة عن إشكالات النوع الأدبي، ومحاولة تجنيس التغريدات التي قد تربك القارئ ويظنها لوناً جديداً غير معروف، وبيان سلطة القارئ على المبدع، وجماليات الكتابة الإبداعية. * قد يواجه القارئ العادي صعوبة في فهم المقصود بالأشكال الأدبية الوجيزة، فهل من توضيح لمعناها؟ * الأشكال الأدبية الوجيزة هي نصوص تتميز بخاصيتين: القصر، أي الكم اللغوي المحدود في عدد وحداته، فقد يكون جملة بالمعنى النحوي، أو عدة جمل، فمفهوم القصر متفاوت لكنه - على أية حال - نص يشغل حيزاً لا يتجاوز بضعة أسطر من حجم الصفحة. والخاصية الثانية هي: شعرية النص من خلال سمات فنية ووسائل بلاغية وتقنيات تعبيرية، فالشكل الوجيز بنية قصيرة في الحجم عميقة في الدلالة ثرية بالفنية العالية. والتغريدة قالب يستوعب مضامين عدة أدبية وغير أدبية، وسعياً لضبط تعدد المصطلحات وتأصيل التغريدة بمصطلح أدبي، لا تقني اقترحت تسمية التغريدات الأدبية المنشورة في موقع تويتر بالأشكال الأدبية الوجيزة، مستأنسة برحابة هذا المصطلح واستخدامه من قبل باحثين ونقاد في دراسة النصوص القصيرة، ومنطلقة من رؤية مفادها أن التغريدات الأدبية في تويتر ما هي إلا امتداد لهذه الأشكال الأدبية الوجيزة الممارسة في الذاكرة الأدبية العربية والغربية على حد سواء، مع التسليم بجمالياتها الفنية وتأثيرات التقنية الحديثة وسلطة المتلقي في صياغتها التعبيرية. * منذ زمن المنتديات لاحظت أن الكثير من الدراسات الأدبية تحاول أن تمنح لما يكتب عبر الإنترنت خصوصية إبداعية ما. مع اعتقادي أن الأمر لا يتجاوز سوى أنه وسيلة من وسائل النشر ولا يوجد هناك تأثير على محتوى النص؟ * الإشكال هو الخلط بين مصطلحات الأدب التفاعلي والرقمي والأدب الإلكتروني، ثم القول إن التقنية لم تترك أثراً على الأدب! يتأثر الإبداع الأدبي بالوسيط الذي ينقله، ويتفاوت مستوى هذا التأثير، وأعلاه يتضح بصورة ملموسة في الأدب التفاعلي، وهو نوع من النصوص يتضمن روابط تشعبية، توظف التقنية في كتابة النص، فالمبدع لديه إلمام ووعي بكيفية استخدام التقنية واستثمار معطياتها في الإبداع، والتجربة الرقمية العربية محدودة الانتشار، لا تتجاوز بضع روايات لمحمد سناجلة وقصيدتين رقميتين لمشتاق عباس معن. أما الأدب المنشور إلكترونياً فاستخدام الوسيط هنا ليس مسوغاً لوصفه بأدب رقمي أو تفاعلي لعدم تحقق المفهوم عليه. فكل أدب تفاعلي هو أدب إلكتروني والعكس غير صحيح، يمكن رصد تأثيرات التقنية على الأدب في تفسير نشوء بعض الظواهر الأدبية ككثافة الحضور النسوي، أو الانتباه إلى إشكالية التلقي لدى القراء وتفاعلهم مع المبدع، فعلاقة المبدع مع قارئه وتجاوبه مع ملحوظاته سلطة اتسع مداها في النشر الإلكتروني أكثر منه في الورقي، كما نلحظه في رواج كتابة النص مصحوباً بمؤثرات بصرية وسمعية بهدف إيصال تأثير لا يقتصر على اللغة وحدها، وهذه تتلاشى عند النشر الورقي، مما يعني أن وظيفتها شحذ عملية التلقي، كما يمكن الحديث عن تأثيرات التقنية على الأدب واللغة بصرف النظر عن الوسيط، فالإبداع استفاد من معطيات التقنية في بناء النص اللغوي والدلالي فراجت مصطلحات تقنية وظفت في كتابة النص، واللغة دخلها معجم من وحي العصر الرقمي وثورة المعلومات تسللت للقصائد، وشكلت ملمحاً في بناء صورة أو نقل دلالة. * في وسائل التواصل الاجتماعي هناك الكثير من التطبيقات لماذا كان الاختيار لفضاء تويتر وما الخصوصية التي يتميز بها هذا التطبيق؟ * زمن إنجاز الدراسة العام 2014م، وقد كان لموقع تويتر سطوة آنذاك استقطبت اهتمام الأدباء والمبدعين الذين هجروا المنتديات والفيس بوك مأخوذين بسحر الجديد الذي يلبي حاجتهم للذيوع والتسويق لنتاجهم من دون وصاية من مشرف، أو شللية، فقد منح للمبدع مساحة ترضي نرجسيته في أن يكون مسؤولاً عما ينشره دون قيود، ولم يستقطب تويتر شريحة محددة، وهذه ميزة تجعله قناة نشر تعبر عن المجتمع بكل أطيافه عكس المنتديات التي تشبه رابطة أدبية لأصحاب فكر أو اهتمام مشترك،، ربما امتلاك المبدع لحساب مجاني خاص به يؤمه ملايين القراء حافز له على الكتابة. * لاحظت أن الأسماء التي كانت نماذج لهذه الدراسة هي أسماء سبق لها النشر عبر وسائل متعددة سواء مطبوعة أو في زمن المنتديات وما تنشره عبر تويتر إعادة لذات الإبداع السابق فأين تأثير تويتر؟ * لم تنطلق الدراسة من فرض أن تويتر ترك أثراً فريداً غير مسبوق على الأدب، انطلقت من هدف رصد ملامح الكتابة فيه، والإجابة عن سؤال ما تأثير تويتر؟ وخلصت بنتائج أهمها: * إن التغريدات التي أسميتها بالأشكال الوجيزة معروفة منذ القدم في الأدب العربي القديم والآداب الأجنبية، وليست من معطيات الأدب الحديث، ولا ثمرة من ثمار العصر الرقمي، وثورة الاتصالات، فلها وشائج قربى بفنون أدبية عدة كالحكمة، والوصية، والقصة، والمقطوعة، والنادرة. * لا يقترح الشكل الوجيز في تويتر جماليات أسلوبية تختلف عما هو مألوف فالأنسنة، والإدهاش، والتناص، والانزياح، والتوازي، والمفارقة كلها تقانات ألفها المبدع في تجربة النشر الورقي، واستمرت في نتاجه الإلكتروني. * تشترك جميع النصوص الوجيزة في تويتر في الاقتصاد اللغوي الذي لا يتجاوز 140 حرفاً كحد أقصى، وهو مطلب فرضته تقنية الموقع، مما يعني رواج كتابة النص القصير وهذه من تأثير تويتر إذ كثرت هذه النصوص كثرة تفوق حجمها قبل تويتر. * حاول المبدع اختراق قيود تويتر باستخدام وسائط أخرى تمنحه خيارات الإطالة ومزج المنطوق بالمكتوب، والبصري باللساني. وهذا هو الجديد الذي منحه تويتر للمبدع. * لم يتخلص المبدع ولا القارئ من تأثير المرحلة الطباعية وجمالياتها، فالتنظيرات النقدية حول فعل القراءة يمكن مقاربتها على النص الورقي والرقمي، وقد اختبرت هذه الدراسة تطبيق جماليات عدة على النصوص المنشورة في تويتر، هي ذاتها تطبق على النصوص الورقية. * هناك مظاهر مستحدثة فرضتها خصوصية الوسيط الناقل، وآلية النشر فيه التي تقترح جماليات من وحي التقنية الحديثة، وثورة المعلومات، كتحفيز القارئ على بناء النص، أو استثارة مكامن الإبداع لديه، فتكون الردود مادة صالحة للتأمل في أنواع القراء. * هناك أسماء شابة تشكل إبداعها في فضاء تويتر وهذا النوع من الإبداع قد يكون له خصوصية ما لكن تلك التجارب غابت عن الكتاب؟ * لم يستقطب تويتر زمن إنجاز الدراسة كتاباً يكتبون لأول مرة، فهو قناة مثله مثل الصحيفة، ينشر فيه أدباء معظمهم من جيل يصنف أدبياً بجيل الألفية، الجيل الذي تفاعل وتجاوب مع الشبكة العنكبوتية، تدويناً ونشراً، وأدباء تفاعلوا مع النشر الإلكتروني بعد رحلة طويلة في عالم النشر الورقي، ولا أعلم أن هناك تجارب شابة تشكل إبداعها في تويتر، وأميل إلى أن المؤثرات تتمثل في الثورة الرقمية بكافة عناصرها وتويتر وسيط تقني من جملة عدة برامج أسهم في التأثير ولكنه لم يستأثر وحده بمولد التجارب الإبداعية. * النص في تويتر لم يعد يحضر وحيداً.. هناك الصورة والموسيقى، هل هذا يعبر عن حاجة النص لمساندة الوسائط الأخرى أم أن هذا شكل جديد من الكتابة؟ * يمكن أن يؤدي النص رسالته باللغة وحدها، ولأن التقنية أتاحت للمبدع خيارات سمعية وبصرية، شاع استخدامها بغية التأثير على القارئ حيث تعمل الصورة على إثارته بصرياً، وتحرضه على قراءة تفاصيلها، ومكوناتها، وإيحاءاتها اللونية، فيتكون لديه انطباع أو إحساس ما من دلالة الصورة، وإلى جانب هذا الخطاب البصري، للنص لغته المكتنزة بالشعرية والانزياحات التي تتطلب من القارئ أيضاً الفهم والتأويل، ومن خلال التفاعل بين شعرية الكلمة وفنية الصورة تتحقق جماليات التلقي. أما قيمة هذه الجمالية وتأثيرها فهي موضع نقاش، فسعيد بنكراد يرى استحالة جماليات رقمية تقدم للعين ما هو أجمل مما يقوله اللفظ، ويحلل الفارق بين النسق اللساني والبصري في تلقي دلالة الفرس لفظاً وصورة، بقوله: "إن غياب الفرس أقوى بكثير من حضوره، فالغياب استثارة ذهنية لكل الأفراس الممكنة (أفراس الواقع والحكايات والمخيال وذكريات الطفولة)، أما الحضور فلا يشير سوى إلى حالة مخصوصة قد نرى من خلالها ما يبيحه الماثل أمام العين المبصرة وحدها، ولكننا نظل أسرى ما نرى. وبذلك فإن حضور الفرس يشكل عائقاً أمام القراءة من حيث هي تجسيد لمعانٍ لا يمكن أن تحضر إلا من خلال التخلص من الفرس الفعلي. إن الفرس في الواقع المرئي واحد مهما تعددت أحجامه وألوانه، ولكنه متعدد في اللغة وفي الثقافة التي تسندها" (الأدب الرقمي: جماليات مستحيلة، جرن، دورية نقدية تصدر عن النادي الأدبي بالباحة، العدد الأول يناير 2014م السنة الأولى، ص46.) في حين يرى عبدالله الغذامي اتساع دلالة الصورة، ودوائر استقبالها من النص المكتوب، يقول: "لم يكن في مقدور أحد أن يستهلك نصاً مكتوباً إن لم يكن على وعي بسياقات هذا النص الثقافية والفكرية والجمالية، وهذا ما كسرته الصورة وغيّرت من شروطه إذ بإمكان المرء أن يشاهد أي صورة دون حاجة إلى لغة ولا يحتاج إلى سياقات ثقافية ولا فكرية كي يفهم الصورة، وهذا أطلق إمكانات التأويل الحر مثلما وسع دوائر الاستقبال"، (الثقافة التلفزيونية سقوط النخبة وبروز الشعبي، المركز الثقافي العربي المغرب - لبنان، ط2، 2005م،ص11). ويرى عز الدين المناصرة سلطة للصورة في التأثير، يقول عنها: "تلعب الصورة إذاً، دوراً مهماً في تحريك النص العنكبوتي في الإنترنت سواء بمصاحبة النص القابل للتحريك، أو من خلال وجودها كعنصر رئيس من عناصر النص، وهي تمتلك الصدقية أكثر من اللغة، كما تمتلك التأثير الواسع على المشاهد - القارئ، إذ لم تعد الصورة ملحقاً تزيينيا بالنص العنكبوتي على عكس وضعيتها بالنص المطبوع". (شعرية النص العنكبوتي، مجلة فصول، العدد 79- شتاء- ربيع 2011، ص107). والذي أراه هو أن جماليات الصورة في النص الرقمي تخضع لذائقة مستقبلها، فالاستجابة لتأثير هذه الوسائط متفاوت لاختلاف أنماط المتلقين، إذ لا يمكن القطع بقيمتها من عدمها، فهناك قراء تترك لديهم الكلمة أثراً أبقى وأعمق من الصورة، وهناك قراء شكلت التقنية عليهم سلطة في التأثير، فتجذبهم هذه الوسائط، وأنا أرى أن التأثير للكلمة فخلود الأدب عبر العصور شاهد حي على قيمة الكلمة الرفيعة في التأثير من دون شفيع! * النص في تويتر قابل للنسيان وذلك بحسب خصوصية التطبيق. أيضاً الأمر الآخر يبدو في الظاهر أن تويتر فضاء مفتوح لكنه مغلق بشكل ما. بمعنى أن نصوص المغرد لا تقرأ إلا من عدد محدود من المتابعين. هذا الأمر هل يلقي بظلاله على طبيعة النصوص التي تكتب في تويتر كعدم الجدية أو أنها مكتوبة لوقت عابر؟ * المراوغة سمة في النص الرقمي بعامة فهو عرضة للاختفاء في أي وقت ولأي سبب، ويزداد حدة في تويتر بتقادم عهد التدوين إذ تغيب التدوينات الأقدم، وتتطلب جهداً مضاعفاً في البحث عنها. أجد تويتر فضاء مفتوحاً، فالصفحة متاحة للقراءة دون متابعة، كما أن التغريدات فيه قد تتجاوز الموقع إلى وسائط أخرى، فتنقل للنشر في تطبيقات الواتس أب أو السناب مما يعني رواج التدوينات خارج فضاء تويتر. * الكثير بعد أن يغرد في تويتر. يجمع ما كتبه ليصدره في كتاب مطبوع. هذه الحالة ماذا تسمى وكيف يتم تصنيفها؟ * للسبب السالف، ولأهمية توثيق النص ونسبته لصاحبه خوفاً من لصوص الكلمة يلجأ المبدع إلى النشر الورقي حفظاً لحقوق الملكية الفردية لنتاجه، دائماً أقول التقنية تخذلنا! وعلى الرغم من معطياتها ومكاسبها لم تستطع منافسة الكتاب المطبوع الذي مازال رائجاً وتقام له معارض كتب، الظاهرة طبيعية، وسأسميها تنوع الوسائط في تداول الأدب، نلحظ أن الأدب وصلنا شفاهياً ثم طباعياً ثم إلكترونياً، وأي مرحلة مما سبق لم تتجاوز سابقتها وتلغيها، فنحن في عصر الثورة الرقمية، قد نعود لمرحلة الشفاهية في القص في المجالس، كما نلحظ تحويل الأعمال المطبوعة إلى فلم سينمائي، المرحلة الرقمية خدمت الأدب، وخدمها الأدب أيضاً!