إن هزيمة العنصرية ومواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب ومعالجة الأسباب المؤدية لكل ذلك تتطلب من جميع أعضاء المجتمع الدولي شجاعة نوعية تُمكنهم من الابتعاد التام عن الأفكار الإقصائية والتصنيفات الفئوية، ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف، والتخلي عن النظرة الفوقية والاستعلائية.. نادت بعدم ربط التطرف والإرهاب بأي دين من الأديان السماوية أو بأي حضارة من الحضارات الإنسانية، فاستمع القليل من العُقلاء لهذا النداء البناء، وتجاهلتها عقول الكثير من أصحاب الأهواء. طالبت بالحوار الإيجابي بين الحضارات والعمل سوياً لمحاربة كل أسباب التطرف والإرهاب، فأخذ هذه الحكمة البعض من أصحاب النظر السليم، ولم يهتم البعض من قصيري النظر ومحدودي الفكر. دعت لمواجهة كل أسباب الصراع السلبي وأهمية الوقوف صفاً واحداً في وجه دعاة العنصرية المقيتة ومثيري الفتن بين أتباع الأديان السماوية والحضارات الإنسانية، فانضم لهذه الدعوة البعض من أصحاب الفكر المعتدل والنظرة السوية، وتخلى عنها البعض من أصحاب الأهواء السلبية والقلوب المريضة بِدَاءِ العنصرية والتمايز المقيت. سعت لتأسيس وإنشاء المراكز الإقليمية والعالمية لمواجهة ومحاربة أسباب التطرف والإرهاب، وبذلت من مالها وجهد رجالها لتوحيد الجهود الدولية، فأشاد البعض بهذه الخطوات الرصينة بإلقاء الخطابات السياسية والمواقف الإعلامية، واستنكر هذه الخطوات أعداء السلم والسلام ومن يؤمن بفكرهم وتوجهاتهم من دعاة الصراع بين أتباع الحضارات. هكذا هي سياسة المملكة الثابتة، وهكذا هو تاريخها المُشرف في مواجهة كل أسباب التطرف ومحاربة شتى أنواع الإرهاب؛ وتلك هي مواقف معظم أعضاء المجتمع الدولي بمختلف مستوياته. وعلى هذه المبادئ الأصيلة والمواقف الصادقة، جاء موقف المملكة من العملية الإرهابية التي وقعت في مارس 2019م واستهدفت دور العبادة وأزهقت أرواح الأبرياء بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا. فما نادت به كثيراً، وما طالبت بالعمل وفق مضمونه، وما سعت لتطبيقه على أرض الواقع في سبيل مواجهة ومحاربة كل أسباب وأساليب ووسائل التطرف والإرهاب، أعادت المملكة التأكيد على سياستها المعتدلة ومواقفها الثابتة بأن "الإرهاب لا دين له" من خلال ما صدر عن مجلس الوزراء المنعقد في 19 مارس 2019م ورأس جلسته الكريمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله -. فبحسب البيان الذي بثته "واس"، أن مجلس الوزراء ".. جددّ إدانة المملكة واستنكارها الشديدين للهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، ولجميع أشكال وصور الإرهاب أياً كان مصدره. وشدد.. على مواقف المملكة الداعية إلى ضرورة احترام الأديان، وتجريم ومحاربة الخطابات العنصرية التي تغذي التطرف والإرهاب، ولا تخدم السلم والأمن العالميين، وعدم التساهل لمن يدعمون التطرف والكراهية والعنف بأي شكل كان من الأشكال. فالإرهاب لا دين ولا وطن له، ونحن أحوج ما نكون إلى الالتفاف حول قيم المحبة والوئام والسلام.." هذا الموقف الأصيل للسياسة السعودية يأتي مكملاً لمواقف أصيلة وقفتها خلال تاريخها المديد بالخير والبناء والدعوة لعمارة الأرض وبناء الإنسان على الأسس الصحيحة. هذا الموقف الكريم للسياسة السعودية يعيد التأكيد مجدداً على أهمية العمل الجماعي لمواجهة كل أسباب الهدم والتخريب ومحاربة جميع أشكال التطرف والإرهاب. فالمملكة التي قالت إن الإرهاب لا دين له، طبقت ذلك على أرض الواقع في أحداث عديدة ومواقف كثيرة، ومنها موقفها الأصيل من أحداث مسجدي مدينة كرايست تشيرش. فالمملكة لم توجه التهم الباطلة للدين الذي ينتمي له ذلك الإرهابي، ولم توجه إعلامها لتشويه حضارة المجتمع الذي ينتمي له ذلك العنصري، ولم تستهدف سياسة البلد الذي وقع فيه العمل الإرهابي، ولم تطالب بتغيير مناهج التعليم في المجتمع الذي وقعت فيه الجريمة، ولم تدعُ لإغلاق دور العبادة لأتباع الدين الذي ينتمي لها الإرهابي، ولم تسع لإدانة سلوكيات وممارسات رجال الدين في ذلك المجتمع الذي وقعت فيه العملية الإرهابية، ولم تتعرض بأي شكل من الأشكال لأسلوب وطريقة الحياة الاجتماعية في ذلك المجتمع، ولم تتدخل في أي شأن من شؤون ذلك البلد. إنها سياسة الثبات على المبادئ التي نادت بها المملكة: فالإرهاب لا دين له. هذه الحكمة الأصيلة والمبادئ السامية والمواقف الثابتة للسياسة السعودية وجدت أخيراً أغلبية دولية تؤيدها وتدعمها وتستند عليها في توصيف العمل الإرهابي والجريمة النكراء التي حدثت في مسجدي مدينة كرايست تشيرش. إنها عملية إرهابية لا تنتمي إلى دين معين، وسلوك عنصري مقيت لا يعبر عن مجتمع مُحدد، وفكر متطرف لا يمثل التوجهات المجتمعية، وممارسة إجرامية لا تعبر عن الثقافة السائدة، وجريمة نكراء لا تمت لتاريخ وحضارة وموروث المجتمع، وسلوك يتنافى مع أخلاق وقيم ومبادئ ذلك المجتمع وسياسة تلك الدولة. هكذا وجدنا التصريحات الصادرة من معظم العواصم الغربية الديموقراطية وبرلماناتها المنتخبة، وهكذا سمعنا وقرأنا وشاهدنا في معظم وسائل الإعلام الغربية، وهكذا ستكون اللغة المستخدمة في معظم الإصدارات البحثية والمنشورات الثقافية وحلقات النقاش الفكرية. فهل كان المجتمع الدولي - شرقاً وغرباً - بحاجة إلى مثل هذه العملية الإرهابية ليعرف أن الإرهاب لا دين له! وفي الختام من الأهمية القول: إن هزيمة العنصرية ومواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب ومعالجة الأسباب المؤدية لكل ذلك تتطلب من جميع أعضاء المجتمع الدولي شجاعة نوعية تُمكنهم من الابتعاد التام عن الأفكار الإقصائية والتصنيفات الفئوية، ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف، والتخلي عن النظرة الفوقية والاستعلائية. إنها متطلبات ضرورية لحياة كريمة وأمن دائم وسلام واستقرار تنعم به البشرية. فهل يأخذ المجتمع الدولي بالحكمة السعودية التي نادت بها كثيراً وما زالت لمواجهة جميع دعاة الفتنة ومثيري النعرات العنصرية وأصحاب الفكر المتطرف، أم إن حالة الانتظار السلبي ما زالت قائمة؟