الذي يرى أن وزارة الثقافة هي وزارة ثانوية ترفيهية مخطئ كثيرًا، فهي من أهم القطاعات الحكومية، قائدة التغيير في المجتمع: اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا، وسياسيًا.. وهذا هو دورها الحقيقي.. اشتقت الثقافة من ثَقَف الشيء أي "حذقه"، ورجل ثقِف إذا: "كان ضابطًا لما يحويه قائماً به"، واصطلاحًا تعددت تعريفاتها وإحداها "تحقيق غاية الكمال عن طريق التعرف على أفضل ما توصل إليه فكرًا وقولاً". والواضح أن الثقافة ليست فقط العلم بالشيء كما يهدف الإعلام، بل تعتمد أساسًا على تغير السلوك الاجتماعي الذي بدوره يغير المفاهيم الأخرى في أي مجتمع. وفي العقود الماضية استخدمت الثقافة للتفريق بين فئات المجتمع حمل بعضها بوادر عنصرية، فأصبح هناك المثقف وعكسه، وينظر إلى المثقف نظرة إجلال وإعجاب بعكس غير المثقف. وفي أيامنا هذه اختلط الأمر في المجتمع خصوصًا مجتمعات العالم الثالث، فاختلط مفهوم الثقافة مع الإعلام، والمثقف مع الإعلامي. فتغير مفهوم المثقف، إذ لم يعد ذلك الذي يتسلح بسلوكيات اجتماعية، هي المعيار الحقيقي للمثقف، بل هو ذلك الشخص الذي يخزن معلومات معينة ثم يقوم ببثها دون الإيمان بها أو تطبيقها، ولم يتوقف الأمر عند هذا التغيير فقط الذي أقحمه الإعلام، بل أصبح المظهر من الأمور التي يقيم من خلالها الشخص بالثقافة من عدمها. ونظرًا لوعي المجتمع السعودي إلى أهمية الثقافة في تغيير سلوكيات المجتمع، فقد أنشأت الدولة وزارة مستقلة للثقافة، بعد أن رُبطت بوزارة الإعلام، وقبلها كانت إدارات متناثرة بين أروقة عدد من الوزارات والهيئات. وتبين للمجتمع ليس فقط أهمية الثقافة، بل تأثيرها على سلوكيات الفرد ومسيرة المجتمع، فلم تعد الثقافة أبيات تُلقى أو مسرحية تُعرض أو لوحة فنية تُشاهد، أو أناشيد تُسمع، بل أصبحت أفكاراً وسلوكيات ومفاهيم تؤثر في المجتمع سلبًا أو إيجابًا. لذلك فالأمل -بعد أن يبتعد القائمون على وزارة الثقافة عن المفهوم التقليدي للثقافة، باعتبار الثقافة رحماً لكافة الفنون بأنواعها المختلفة، إذ يجب أن توظف هذه الفنون لأهداف راقية ترفع من شأن المجتمع وسلوكياته وتدفعه إلى الرقي، والذي يرى أن وزارة الثقافة هي وزارة ثانوية ترفيهية مخطئ كثيرًا، فهي -أن وعت دورها الحقيقي- من أهم القطاعات الحكومية، فهي قائدة التغيير في المجتمع: اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا، وسياسيًا.. وهذا هو دورها الحقيقي. فالثقافة تجمع مفاهيم عدة، منها: التربوي والتعليمي والتنويري، وجهودها أحيانًا تكون كالذي يكتب على الحجر، تتضح وتبقى، أو كالذي يكتب على الماء، لا يتضح أثرها. لذلك فالمسؤولية الملقاة على عاتق القائمين على وزارة الثقافة ليست هينة ولا سهلة. فالمجتمعات العربية ومنها المجتمع السعودي ابتعد كثيرًا عن الثقافة الحقة. لذلك لعل من المهام المهمة التي يجب على الوزارة الاهتمام بها هو كيفية إعادة الإنسان السعودي إلى الاستمتاع من الثقافة والاستفادة منها، فترك الإنسان يتلقى ثقافته فقط من وسائل الإعلام لن يخلق مثقفًا حقيقًا، بل قاعدة معلومات منها الصحيح ومنها غير ذلك؟ ولعل الخطوة الأولى التي ستقنع المجتمع أن الوزارة أخذت في الحسبان دورها الحقيقي، هو السعي الحثيث على تغيير مسمى الأندية الأدبية إلى الأندية الثقافية فالأخيرة تعطي كافة العلوم "الطبية، والعلمية والإنسانية" اهتمامها ورعايتها، أما المسمى الأول فقد حول هذه الأندية إلى جمعيات لفئة محدودة، وهم "اللغويون". كما أتمنى أن تبتعد الوزارة في خططها واستراتيجياتها عن الأسلوب الذي خطته الهيئات العامة الجديدة المتمثل في اعطِ الأولوية للعيون الزرق في وضع خططها فإن قبلناه على مضض في هذه الهيئات، فهو حتماً غير مقبول في وزارة تنطلق من ثوابت هذا المجتمع وتنتهي في كل بيت فيه. والذي لا خلاف عليه أن الثقافة والإعلام وجهان لعملة واحدة كلاهما مكمل للآخر، ولا يمكن أن يحقق أحدهما النجاح المطلوب في مهامه دون الآخر.