ربما لا تُدرك أنّكَ تبحث عن السعادة منذ دخولكَ في مراحل الوعي، ففي الطفولة مثلًا كنتَ دائمًا تتوق إلى لعبة، فيلم كرتوني، صديق يشاركك تركيب مكعباتك المعقدة! كل ذلك كافيًا لأن يكشف بحثك عن السعادة منذ الصّغر، الجيّد في الأمر أنّكَ كنتَ تجدها في تلك التفاصيل الصغيرة وتقنع بها؛ إلا أنّه مع مرور الأعوام توسّع نطاق السعادة لديك حتى صارت الأشياء البسيطة لا تعني؛ لكنّكَ تسيرُ بنفس الشكل الذي كنتَ عليه في طفولتك، وتبحثُ عمّا يسعدك بشتى الطُّرق! فتقول: لو تخرجت، أو حصلت على معدل ممتاز سأكون سعيدًا، لو سافرت، أو تزوجت، أو أنجبت، أو حصلت على الوظيفة المرموقة سأبلغ أقصى مراحل سعادتي، ثمّ يحدث لكَ ما تمنيته وفي الغالب لن تصبح سعيدًا! سيسعدك الأمر لأسبوعٍ أو أسبوعين وقد يصل إلى شهرٍ أو شهرين ثم سيتلاشى إحساسك بالسعادة تدريجيًّا وتبدأ بالبحث عنها في مكانٍ آخر، دائمًا ستضيع منكَ بلمح البصر وكأنّك لم تمسك بها يومًا! كلّ هذا الضياع حدث بسبب تعليق سعادتك على شروط معينة، فالسعادة لحظات جميلة تحدث بلا ترتيب وتخطيط، تحدث لتزيح عنكَ ثقل الحياة قليلًا وما عليك إلا أن تستجيب! استمتع باللحظة الحالية فهي التي تحقق لك القدر الأكبر من السعادة وتوفر عنك عناء البحث، استمتع باللحظة التي تقرأ بها الآن وأنت بكامل قواكَ العقلية، بالقهوة التي تحتسيها على عجلٍ صباحًا قبل الدخول إلى قاعة الاختبار، افرح بالأوقات التي تقضيها في جامعتك واستغلها بإيجابية قبل أن تعلّق سعادتك على التخرج! استمتع بوقت فراغك الذي تقضيه قبل الحصول على وظيفتك، ولا تفرط به وأنت مقيدٌ بالانتظار، فهو ماضٍ من عمرك! سافر وغامر واخرج مع أقاربك وأصدقائك واستمتع برفقتهم قبل أن تُنجِب وتحمل مسؤولية الأطفال، وكُن على يقين بأنّ الله سيرزقكَ في الوقتِ المناسب، ولا تبقَ متحسِّرًا منزويًا إن لمْ يرزقك الله بطفلٍ في بداية زواجك! فكلّ شيء يحدث لحكمة يعلمها الله ولا نعلمها. استمتع بشكاوى أطفالك السطحية والمتكررة قبل أن يكبروا ويذهب كل منهم قاصدًا حياته! حاول ما استطعت أن تعيش الحياة لحظة بلحظة لا أن تنظر إلى الخطوة التالية وتستعجل الأمور وكأنّك في حلبة سباق! تعلّم فن المرونة بالتعامل مع الأحداث المتغيرة فذلك يساعدك في تأسيس مبدأ السعادة بداخلك إلى حدٍّ كبير، لا تدع مجالًا لأي أمر مُنتَظر بالسيطرة عليك، تعلم من اليوم ألا تضيع فرص سعادتك في انتظار الآتي، فقد يطول الانتظار وتضيعُ معه أيامًا عشتها بتفكيرك المحدود بمأساوية وهي ليست مأساوية!