كما أملك "حجراً" من نهر دارت في نيوزلندا "ورملاً" من كثبان الربع الخالي "وفانوساً" من مراكش، أملك أيضاً قطعة إسمنتية "بحجم حبة البطاطس" من حائط برلين الذي كان يفصل شرقها عن غربها قبل توحد الألمانيتين اشتريته أثناء زيارتي للمدينة قبل 15 عاماً! وما لم يخطر ببالي أنني رغم زيارتي للأهرامات ثلاث مرات في حياتي لا أملك قطعة من هذا الصرح العظيم.. وما ذكرني بهذه النقيصة مقال ظهر في صحيفة الأهرام يقترح بيع الحجارة الساقطة من الأهرامات على السياح بعد تكسيرها إلى قطع صغيرة.. وفي حين غضب البعض واعتبر ذلك مقدمة لبيع كامل آثار مصر رأى البعض الآخر أن الحجارة بعد سقوطها لا يعود لها قيمة وبدل أن تختفي بفعل عوامل التعرية من الأفضل الاستفادة منها وبيعها للسياح. وكلا النموذجين "المصري والألماني" يعبران عن تنامي ظاهرة التسويق السياحي وموضة بيع "أي شيء" للسياح بصرف النظر عن قيمته المادية أو المعنوية.. أصبح بيع كل ما يمكن بيعه جزءاً من البرامج السياحية لأي بلد ووسيلة سهلة للحصول على العملات الصعبة من الجيوب المتخمة.. فإسرائيل مثلاً تبيع هذه الأيام "هواء القدس" داخل زجاجات مغلقة بسعر عشرة دولارات للزجاجة، والجنود الأميركان يبيعون أكياساً صغيرة من رمل أفغانستان والعراق عبر الإنترنت، وبريطانيا فتحت القصور الملكية وعرضت مجوهرات التاج على السياح، وإيطاليا تبيع صخوراً بركانية استخرجت من حمم بركان فيزوف الذي غطى مدينة بومبي الشهيرة، أما نيبال فتبيع شهادات معتمدة لصعود جبل إيفرست، في حين باعت روسيا شرائح من دماغ لينين لآخر معاقل الشيوعية المتبقية في العالم.. حتى شخصي المتواضع كاد يبيع الحصاة التي التقطها من نهر دارت في نيوزلندا على سيدة إنجليزية تعشق جمع الحصى من بلدان العالم المختلفة "ولكنني مازلت محتفظاً بها ضمن خزانات زجاجية تتضمن آثاراً من المواقع المميزة التي زرتها وتذكارات يصعب امتلاكها من مواقع كثيرة حول العالم". كل هذا يدعونا للمقارنة بين عقلية الاستثمار السياحي "الذي يصنع من الحبة قبة يبيعها للسياح" وبين تعقيد الاستثمار السياحي الذي يمنع الاستفادة من كنوز حقيقية تزخر بها بلادنا العريقة. من دون شك؛ الوضع في المملكة في طريقه للتحسن بدليل تسهيل قدوم السياح وتفعيل إجراءات التأشيرة الإلكترونية.. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى توطين الفعاليات السياحية والترفيهية في الداخل بعد أن كان المواطن يضطر للسفر إليها وصرف ملايين الريالات في الخارج.