ازدادت شعبية الألعاب القتالية حول العالم، بشكل ملحوظ، نتيجة لعدة عوامل جعلتها واحدة من أسرع الرياضات نمواً وانتشاراً، وزادت من نسب مشاهدة البطولات والأحداث ومتابعة أخبار نجوم وأبطال الألعاب. وتتمثل هذه العوامل في تنوع فنون القتال والابتكار المستمر الذي يتواكب مع متغيرات الحياة واهتمام الشباب المتزايد، وتعديل بعض القواعد التي تهدف إلى تعزيز أمن وسلامة المتنافسين، وتضمين ألعاب القتال في برامج اللياقة البدنية، وتوفير مساحة أوسع للمشاركة النسائية واعتماد أوزان وفئات عمرية مختلفة، إضافةً إلى منظمات الفنون القتالية المختلطة التي تنظم حملات تسويقية ضخمة لنشر ثقافة هذه الألعاب حول العالم من خلال الفعاليات الدولية ورفع سقف أجور المقاتلين، وقد صاحَب هذه التغيرات زيادة في عدد المهتمين والممارسين لهذه الرياضات عالمياً، مما أسهم في تزايد عدد الأندية ومراكز التدريب والبطولات، وأصبح عدد الممارسين للفنون القتالية مرشحاً للارتفاع بنسبة قد تصل إلى 20 % خلال العقد القادم. الفنون القتالية رياضة نبيلة لها مبادئ وأسس تقوم على الخير والسلام وتنبذ الشر والعدوان، كما تُعَزِّز احترام الذات والثقة بالنفس والقدرة التنافسية والانضباط، وهي في الوقت ذاته تبني شخصية الإنسان على الالتزام وتقدير الآخرين. وتعد رياضات الدفاع عن النفس من أهم أدوات تعليم الطفل إكسابه مجموعة من القيم والمفاهيم ومهارات جديدة للمساعدة على أن يكون قادراً جسدياَ ومتوازناً نفسياً ومنضبطاً سلوكياً. نلمس اليوم رغبة القيادة السعودية الجادة في تطوير رياضات الألعاب القتالية ومواكبة التغيير العالمي وذلك إثر الإقبال الكبير من المجتمع السعودي من مختلف الأعمار وأيضاً من الفتيات على تعلم رياضات القتال وألعاب الدفاع عن النفس، وارتفاع سقف التطلعات لمشاركة المنتخبات الوطنية وتحقيق منجزات إقليمية وعالمية، وخصوصاً أن اللجنة الأولمبية الدولية قد اعتمدت مجموعة جديدة من الألعاب القتالية ضمن البرنامج الأولمبي في طوكيو 2020 لتصل عدد ميداليات ألعاب القتال إلى 248 ميدالية ملونة. تتمثل أولى خطوات التطوير الواعدة في اعتماد الهيئة العامة للرياضة في السعودية تأسيس اتحادات قتالية جديدة ليصل العدد إلى سبعة اتحادات هي: (الكاراتيه، الجودو، التايكواندو، الملاكمة، المصارعة، الجيو جيتسو والفنون القتالية المختلطة)، علماً أن بعض الدول ذات الثقافة الرياضية المتقدمة لديها من 12-15 اتحاداً؛ فرنسا مثلا تعد دولة رائدة في هذا المجال ولديها 25 اتحاداً للألعاب القتالية. وفي خطوة أخرى قام الاتحاد السعودي لفنون القتال المتنوع بتنظيم بطولة عالمية جمعت 21 رياضياً محترفاً من 13 دولة حول العالم، بالتعاون مع منظمة (BRAVE) العالمية، في تجربة تعد الأولى من نوعها للمملكة في عالم فنون القتال المختلط، وكانت تجربة مشجعة جذبت مجموعة كبيرة من المهتمين والرياضيين ووفرت فرصة كبيرة لجذب الشباب وتأسيس قاعدة صلبة، والتعريف باللعبة وبالأبطال محلياً. كل هذه أمور إيجابية، ولكن النمو المستقبلي والاهتمام بالألعاب القتالية يتطلب استراتيجية وطنية موحدة تُعنى بتطوير رياضات ألعاب القتال التي تحظى باهتمام متزايد كما ذكرت، لضمان تقديم كافة الخدمات الإدارية وفق معايير وجودة عالية، وتعزيز كفاءة وفعالية البرامج والمنشآت والبنية التحتية للألعاب لضمان استدامتها وضمان التكامل والشمولية في التخطيط والتنفيذ والارتقاء بالأداء الرياضي وتحسين المرافق الرياضية ومعسكرات التدريب بما يكفل زيادة عدد الممارسين للأنشطة الرياضية والبدنية بشكل منتظم. تستلزم هذه الاستراتيجية إيجاد مسار واضح للتطوير وفق أسس ومبادئ تسهم بفاعلية في تطوير المستوى الفني لرياضات الألعاب القتالية، وتهيىء بيئة تنافسية جاذبة تقود للتميز في المسابقات الدولية. ولذا، فإن المسؤولية مشتركة بين القطاع الخاص والهيئات الحكومية والتعليم، حيث يساهم جذب القطاع الخاص للاستثمار في تطوير الأعمال التي تدعم استقطاب أفضل الأفكار أو الممارسات الدولية، وافتتاح مزيد من الأندية والمراكز الرياضية، لتلبية احتياج كافة شرائح المجتمع، خاصة رياضيي النخبة والمستويات العالية، وتعزيز هذه الرياضات في المملكة. وأخيراً، زيادة الإنفاق ودعم اتحادات الألعاب القتالية وتمكينها من التوسع في إنشاء أندية ومراكز تدريب وطنية متخصصة تسمح للشباب المؤهل ومن يتمتع بقدرات عالية على تطوير أدائهم وتحقيق التفوق، والتركيز على برامج تأهيل وتدريب المدربين المحليين، وتوفير الدعم للمحترفين في جميع فئات الفنون القتالية ذات الصلة. إن وجود استراتيجية وطنية لتطوير الألعاب القتالية سيتيح لنا التركيز على مجال واعد من الممكن أن يحقق للمملكة نتائج سريعة في المسابقات الدولية، ويسهم في إنشاء مجتمع صحي ومنضبط للغاية، تحقيقاً لما تشير إليه رؤية 2030 بشأن التركيز على تشجيع المزيد من الألعاب الرياضية. ومن الحلول الواعدة الداعمة للاستراتيجية الوطنية، نذكر (مشروع القدية)، الذي يعتبر أحد أهم الدواعم للرياضة السعودية. سوف يسهم المشروع في تطوير ألعاب القتال بكافة فنونها عبر عدد من البرامج الرياضية المتنوعة، وتوفير فرص ممارسة أكبر لعدد من الأنشطة والألعاب الرياضية المتنوعة ومنها القتالية والتي تصل إلى 20 لعبة قتالية من مختلف المدارس والأنماط وأساليب وطرق التدريب، وإمكانية ممارستها في بيئة متميزة ومتكاملة على أكبر الصالات التدريبية الداخلية، والتي تعد الأكبر في المنطقة للارتقاء بالأداء الرياضي في البطولات المحلية والعالمية، وتحقيق تطلعات القيادة والمجتمع السعودي. *المدير التنفيذي لقطاع الرياضة بمشروع القدية