عندما نجد قدرة الفرد على إدراك عواطفه وانفعالاته وما يشعر به بعمق وبصيرة، ولديه مهارة خارقة في التعبير عنها ووصفها بدقة وسلاسة، وكذلك يمتلك التحكم في تنظيم انفعالاته المختلفة واستثمار الإيجابي منها بما يساعده على النمو العقلي والوجداني، وتحقيق السعادة لنفسه، وحل المشكلات حتى فيما يخص مشاعر الآخرين.. فإننا نحكم مباشرة بأن "الذكاء الذاتي" أو الشخصي أو الانفعالي أو العاطفي مرتفع لدى هذا الفرد. والذكاء الذاتي صعب ملاحظته وقياسه، والطريقة الوحيدة لاكتشافه تكمن في ملاحظة سلوك المتعلمين وما يشعرون به أو ما يعتريهم من انفعالات شعورية في المواقف المختلفة، وعن طريق تحليل عاداتهم وطرائقهم المفضلة في الدراسة والعمل.. كيف يعبرون عن أنفسهم؟ ويستثمرون طاقاتهم؟ وما شكل منتجاتهم وإسهاماتهم في الحياة..؟! ولأن الإنسان لا يعيش بمعزل عن الحياة، فصاحب هذا النوع من الذكاء يستطيع أن يفهم بسرعةٍ تشبه "الحدس" مشاعر من حوله ودوافعهم، وما وراء سلوكياتهم في التعامل، لكنه أيضاً - كما تشير الكتابات الذاتية الحديثة - يجد صعوبات كبيرة في التعامل مع الآخرين، وغالباً ما يفشل في كثير من العلاقات والأعمال التي تتطلب العمل الجماعي، ويكتفي في دائرة حياته بعدد قليل من الأصدقاء والعلاقات الحميمية، مع أشخاص يتمتعون بأكبر قدر من الذاتية أو الصدق الشعوري الذي يصل أحيانا إلى درجة التمرد على المجتمع والحس الجمعي. وهناك مظاهر عديدة تدل على تمتع بعض المتعلمين بالذكاء الذاتي، منها الإحساس العالي ب"الأنا"، والثقة الكبيرة بالنفس، والحساسية تجاه أبسط الأمور، والإرادة القوية، يستغرقون كثيرا في التأمل، ولديهم آراء جامحة، تختلف في معظم الأحيان عن آراء الآخرين، وطموحات خاصة قد يفرطون في سبيل الوصول إليها في عديد من الفرص الثمينة التي يتهافت عليها الجميع، يعرفون نقاط القوة والضعف في شخصيتهم، ويفضلون الأنشطة الفردية والاستقلالية، يحبون المغامرة والتجربة، يعتمدون على أنفسهم في حل المشكلات التي تواجههم، ويبرعون في كتابة مفكراتهم الشخصية بما لديهم من أفكار ومشاعر وأحلام ومشكلات. ويأتي دور التربية والتعليم في تنمية هذا النوع من الذكاء عن طريق المشروعات الفردية والتثقيف الذاتي، واستراتيجية حل المشكلات، والعصف الذهني، وكتابة القصص واليوميات، والمهمات الشخصية التي تتطلب بحثا وفكراً خارج قاعات الدراسة! ونختم بأنه غالباً ما يصبح هؤلاء الأذكياء عاطفياً، كُتّاباً وشعراءَ وروائيين وفلاسفة وأطباء نفسيين وباحثين ومرشدين وأساطير شخصية كما في رواية "الخيميائي" العالمية للروائي البرازيلي باولو كويلهو، حقاً إنه الذكاء "الخيميائي"!