إن السنن الكونية نشأت على مفهوم الاختلاف، فهناك تباين كبير من ناحية الجنس أو الدين، حيث كل واحد يحمل ثقافة وقيمًا ومعتقدات معينة؛ لذا أصبح مفهوم الحوار بين مختلف الديانات والطوائف والثقافات والأفكار، مفتاحاً للتخلص من الأزمات والخلافات والنزعات المختلفة. ومن هنا عني القرآن الكريم عناية بالغة بكل ما من شأنه رفعة الإنسان، وتنمية مهاراته، وتحقيق وحدته للتعايش بسلام. ومما لاشك فيه بأن الطبيعة الإنسانية ميّالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار. يُعرّف الحِوار بِأنّه مُناقشة الكلام بين الأشخاص بهدوءٍ واحترام ودون تعصُّب لِرأيٍ مُعيّن أو عُنصريّة، وهو مَطلَبٌ من مَطالِب الحياة الأساسيّة، فَعَن طريقه يتمّ التّواصل بين الأشخاص لِتبادُل الأفكار وفَهمِها. يُستخدَم الحِوار لِلكشف عن الحقيقة فَيَكشِف كلّ طرف من المُتحاورين ما خَفِيَ على الطّرف الآخر، وهو - الحِوار - يُشبع حاجة الإنسان، ويَسمح له بِالتّواصل مع البيئة المُحيطة والاندماج بِها، إضافةً إلى أنّه يساعد على التعرّف على وجهات النّظر المُختلفة للمُتحاورين. وقد ورد الحوار في أكثر من مناسبة في القرآن الكريم، ومنها: محاورة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ومحاورته مع الله تعالى حينما طلب أن يريه كيف يحيي الموتى، والحوار بين الرجل الذي أنعم الله عليه بالجنتين وصاحبه، وغيرها من الآيات. هناك توافق بين الحوار والمناظرة، إذ إن المناظرة نوع من أنواع الحوار، ولكن عند الرجوع إلى تعريف المناظرة يتضح أنها تعتمد على الدقة العلمية، والشروط المنطقية، أكثر من اعتماد الحوار على ذلك، فالمناظرة مشتقة في أصل اللغة من النظير أو من النظر. الحِوار من المُحاورة، ويعني المُراجعة في الكلام، أمّا الجِدال فهو يُستعمل لِمن يُخاصِم ويشغِل عن ظهور الحق، ويُستعمل أيضًا لِمُقابلة الأدلّة لِظهور أرجحها، ويَحمِل الحِوار والجدال دلالة واحدة، وقد اجتمعا في القرآن الكريم في آيةٍ واحدة، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، والمعروف عند النّاس أنّ الحِوار والجدال يُعتبران نِقاشاً بين طرفين أو أكثر بِقَصد إظهار حُجّة مُعيّنة، وإثبات حقّ، ورَدّ لِلفساد.