تتوالى ردات الفعل يوماً بعد يوم على مواقع التواصل الاجتماعي التي يرى البعض بأنها غيرت حياتنا إلى الأسوأ، حتى باتوا يسمون مرحلة ما قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي بالزمن الجميل، في حين يرى البعض الآخر أنها وسيلة اجتماعية مهمة تكمن إيجابياتها وسلبياتها في طريقة الاستخدام وليست هي في حد ذاتها، يحكي لنا الآباء والأجداد من فترة ليست ببعيدة، مع ظهور التلفزيون كانت هناك هواجس ومخاوف من هذا الجهاز الذي ينقل لنا الكثير من البرامج الجديدة عن ثقافة المجتمع، فتعالت الأصوات حينها بمن ينادي بعدم إدخال هذا الجهاز إلى البيوت، وأنه شر لا بد من إبعاده، وهي ردة فعل عادية على أمر جديد وغريب اقتحم حياة مجتمع تحكمه وتقيده العادات والتقاليد، لكن مع مرور السنوات أدرك الناس أن التلفزيون ما هو إلا وسيلة يمكن استخدامها للمعرفة والتثقيف والاستماع لكل ما هو جديد من أخبار، وما يدور حول العالم حتى نكون على تواصل معه غير منقطعين عنه، كما أنه أيضاً وسيلة للترفيه بما يقدمه من برامج للترويح عن النفس، خصوصاً عقب ساعات الدوام الطويلة وتعب العمل، وهنا تكمن أهمية هذه الوسيلة التي تحتاج إلى متابعتها وترشيد كيفية استخدامها. لكن ما الذي قلب حياتنا مع اكتساح السوشيال ميديا؟ أجرت الكثير من مراكز البحث دراسات حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياة المجتمعات، وقامت بعض الوسائل الإعلامية بسبر آراء شريحة واسعة ومتنوعة من المجتمع حول حياتهم الجديدة التي أصبحت فيها مواقع التواصل الاجتماعي تشكل واقعاً مفروضاً لا هروب منه، فبمجرد جلوسك في أي مكان تجد نسبة كبيرة من الأشخاص يحملون هواتفهم ويتواصلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع أصدقائهم ويقضون وقتاً ليس بالقصير على حساب أوقاتهم وأعمالهم فيهملونها ويقصرون في أدائها، حتى أن عدداً من الذين شملهم الاستبيان الذي قمنا به قالوها صراحة بأنهم كانوا يقرؤون الكثير من الكتب في شهر، ولكن مع دخول مواقع التواصل حياتنا لم نعد قادرين على تصفح كتاب واحد، ليس هذا فحسب بل إن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل مبالغ فيه يؤثر بشكل سلبي على صحتهم العقلية، التي يؤكد مختصون أنها قد تنتهي بنتائج وخيمة كارتفاع في اضطرابات الأكل، وزيادة معدلات الانتحار، وهذا سبب حالة من الإنزعاج والقلق من هذا التحول السلبي على مستوى حياتنا المهنية والثقافية والعلمية والاجتماعية التي تتجه نحو مرحلة خطيرة إذا لم يتم تدارك تداعياتها. إن تطور وسائل التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في تسهيل أمور حياتنا من كل النواحي، كما أن الفضاء الافتراضي أصبح يشكل واقعاً لا بد من التكيف معه، وهذا لا يعني أن يسيطر علينا ويتحكم في حياتنا اليومية، بل علينا أن نتحكم في زمام الأمور ونملك تقنيات وإستراتيجيات إدارة هذا الواقع مع ما يتناسب مع هذا التطور الحاصل على مستوى وسائل الاتصال، وهنا ينبغي التركيز على مسألة ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حتى نتمكن من إحداث نوع من التوازن بين واقعنا والعالم الإفتراضي. * إعلامية