بيان النائب العام حول بدء محاكمة المتهمين في مقتل المواطن جمال خاشقجي يسير في اتجاه قانوني من شقين كلاهما مكمل للآخر، الأول داخلي يستند إلى نظام الإجراءات الجزائية حتى تأخذ العدالة مجراها، والثاني خارجي بإرسال مذكرتي إنابة قضائية للنيابة العامة التركية لطلب ما لديهم من الأدلة أو القرائن المتعلقة بالقضية، والتي لم يرد عليها أي إجابة. موقف النيابة العامة إجرائياً يعبّر بشفافية ووضوح عن المطالبة بإعدام خمسة من المتهمين بجريمة القتل داخل القنصلية، وهو موقف تتمسك به النيابة بناءً على ما توافر لديها من معلومات أثناء التحقيق، ولكن القضاء قبل أن يصدر الحكم بحاجة إلى مزيد من الأدلة التي بحوزة الجانب التركي لاستكمال الحقيقة من كافة جوانبها، ومن ذلك التسجيلات الصوتية، ونسخة من محتويات هاتف خاشقجي النقال، ونسخة أخرى من الرسائل الإلكترونية، وهذا لن يتحقق إلاّ بتعاون تركي، حيث سبق وأن أعلن مراراً عن حوزته لمعلومات مهمة في مسار هذه القضية وتداعياتها، وبالتالي لا يمكن لأي قضاء في العالم أن يصدر حكماً وطرف آخر رسمي ومعتبر يقول لديه أدلة وبراهين عن قضية ينظر فيها، ولكنه يحتفظ بها، ويرفض تسليمها للعدالة! تركيا عليها أن تتفهم أنها جزء من العدالة في قضية خاشقجي، بل أحد أهم أركانها لأنها تمتلك أدلة تصفها بالدامغة، والمؤثرة في مسارها؛ لذا عليها أن تتحمّل مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي، ومنظماته الحقوقية والإنسانية، وتتعاون مع السعودية بتسليم ما في حوزتها، خصوصاً أن الموقف السعودي الرسمي عاقد العزم على تحقيق العدالة، وتطبيقها على كل من يثبت تورطه أمام القضاء المستقل الذي ليس لأحد عليه سلطان كائناً من كان، وهو ما يتطلب كفاية الأدلة التي لا تأخذ أحداً بالشبهات، وإنما بالأدلة التي تثبت العقوبة أو البراءة، وهو ما تمتلكه تركيا. مذكرات قضائية ترسلها المملكة إلى الجانب التركي لتقديم ما لديه من معلومات وأدلة عن القضية ولا يتم الرد عليها، أو على الأقل التجاوب معها بالرفض أو القبول حتى يتم التعامل معها قانونياً في مسار القضية؛ والسؤال: لماذا تركيا ترفض أو تمتنع؟، أو بصيغة أخرى: هل تركيا لديها حسابات أخرى تمنعها من تقديم الأدلة في مقتل خاشقجي؟، أو بصيغة ثالثة حتى يتضح السؤال أكثر: هل تركيا لديها شيء تخفيه في هذه القضية وتخشى من تبعاته؟ مهما يكن من إجابة علينا أن ننتظر الرد التركي؛ فالمشوار لا يزال طويلاً نحو الحقيقة التي سيقول فيها القضاء السعودي النزية والمستقل كلمته.