كان اجتماع الدَّرعية التاريخي الشهير المبارك، بين الإمام محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب العام 1157ه/ 1744م، نقطة انطلاق مهمة لأروع تحوُّل فكري، سياسي، اجتماعي وقل اقتصادي أيضاً في وسط الجزيرة العربية. حين تعانقت قوة السلطة المؤمنة وقوة الفكر السلفي الذي انبثقت منه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، التي اهتمت بالعقيدة الصحيحة، التي تقوم على التمسك بالكتاب والسُّنَّة لتوحيد الله جلَّ وعلا وإفراده بالعبادة دون سواه، ومحاربة كل مظاهر الشرك والبدع والخرافات والضلالات، وتنقية العقيدة السلفية الخالصة من كل ما علق بها من شوائب ودجل. كما اهتمت الدعوة السلفية في الوقت نفسه، بضرورة العيش تحت قيادة إسلامية موحدة عادلة، تُحَكِّم الشريعة الإسلامية، وتلتزم بتطبيق منهجها قولاً وعملاً، وتحمل الرعية على الامتثال له. فوحَّدت الصفوف، وجمعت الكلمة حول إمام واحد، وأغلقت أبواب الخروج والافتئات عليه ومنازعته الأمر، وقرَّرت النصح له بالطرق الشرعية التي تحفظ للأُمَّة هدفها السامي لتحقيق التوحيد الخالص، وعبادة الله وفق ما جاء في الكتاب والسُّنَّة، إضافة للقيام بعمارة الأرض بما يحقق المصلحة العامة لسائر البشر في مشارق الأرض ومغاربها. فلا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا ببيعة وطاعة؛ فكانت تلك البيعة المباركة التي أعلنت بزوغ فجر الدولة السعودية الأولى، دولة الإسلام والتوحيد الخالدة في ربوع الجزيرة العربية، التي امتدت من الخليج حتى البحر الأحمر، ومن أقاصي عمان حتى أطراف الشام والعراق. فحمت البلاد بتوفيق الله من كل شر، وحصَّنت الحِمَى، واستقر بها الأمر لأهله، وساد الأمن والأمان والاطمئنان، وعمَّ الخير. فأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فعبدوا ربهم على بصيرة؛ وبدأ تاريخ الجزيرة العربية الحديث كما يؤكد فيليب حتى في كتابه: تاريخ العرب، إذ يقول: (إن تاريخ الجزيرة العربية الحديث يبتدئ منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري، حين ظهور حركة الموحدين في الجزيرة العربية، وحين شاركت قوة الدين سلطة الحكم). فانطلقت مسيرة خيرنا القاصدة المباركة التي ما زالت تلتزم بالمبدأ وتسير على النهج منذ ثلاثة قرون إلا قليلاً، وستظل كذلك إلى الأبد إن شاء الله: تسارع إلى المجد والعلياء، وتمجِّد خالق السماء، وترفع الخفَّاق الأخضر الذي يحمل النور المسطر، وتُرَدِّد: الله أكبر يا موطني.. موطني عشت فخر المسلمين، عاش الملك والعَلَم والوطن. أقول: حتى ذلك الوقت، حين استتب الأمر لأهله، لم تكن الدولة العلية العثمانية - كما كان يحلو لأهلها تسميتها - التي حكمت نصف العالم لستة قرون تقريباً، تولي شأن الدولة السعودية والدعوة السلفية أي اهتمام يذكر، نتيجة ما كان يرد للباب العالي من تقارير كاذبة من ولاتهم في مصر والعراق والشام، حسبما جاء في وثائق الأرشيف التركي نفسه. فلما استتب الأمر لأهله، وقويت شوكتهم، كان لا بد لأئمة آل سعود من الالتفات لِلُحْمَة رسالتهم وسداها: خدمة الحرمين الشريفين والعناية بهما، وتأمين الحجاج والمعتمرين والزوار ورعايتهم، ليؤدوا مناسكهم في يسر وأمن وأمان واطمئنان؛ فهم كما يرددون دائماً: ليسوا سعاة حكم وسيطرة، بل أصحاب رسالة سامية عظيمة. فطار صواب الدولة العلية العثمانية، واستشعرت خطر دولة الإسلام الجديدة ودعوتها السلفية خوفاً من فقدان سلطتها في الإشراف على الحرمين الشريفين وخدمة الحجاج، ليصبح الأمر تحت مظلة أئمة آل سعود، فتفقد بالتالي مكانتها المزعومة وهيبتها في العالم الإسلامي بعد سحب البلاط من تحت أقدامها. فقرَّرت القضاء عليها بأي ثمن، فشنَّت في البداية حرباً إعلامية شرسة ضد الدعوة السلفية عبر ولاتها في مختلف المناطق، من خطب في المساجد والمناسبات، إلى فتاوى مضللة تصدر هنا وهناك، ترميها بالكفر وتتهمها بالزندقة، بهدف تشويه سمعتها وتنفير المسلمين عنها. وهكذا استعرت نار تلك الحرب الخبيثة المغرضة، التي تشنّها الدولة العثمانية ضد الموحدين، تارة باللسان وأخرى بالسِّنان، عبر مختلف مراحل الدولة السعودية الفتية. ويقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في هذا، قولاً أجده في غاية الأهمية، خاصة لأولئك الذين ما تزال غشاوة الدعاية التركية المغرضة تعمي أبصارهم عن إدراك الحقيقة: (كلمة الوهابية هذه في الحقيقة سياسة تركية، أفشتها في زمن انحراف الأتراك عن الحكم الإسلامي، فعندما ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلاد نجد، وبدأت تُعَلِّم الناس أمور دينهم وتحذرهم من الشركيات والوثنيات، وقويت شوكتها بمساندة أئمة آل سعود لها إثر اقتران السيف والعِلْم، وانتشرت الدعوة لعبادة الله وحده لا شريك له بقوة السلطان حتى بلغت العراق؛ آنئذٍ خاف الأتراك عاقبة أمر تلك الحركة العربية المباركة التي نشأت في جزيرة العرب، وما تشكله من تهديد حقيقي بالقضاء على حكمهم. فأوعزوا إلى محمد علي باشا الذي كان يحكم مصر يومئذٍ تحت راية السلطنة العثمانية بقتال هؤلاء النَّجديين - ولا أقول الوهابيين - فأرسل محمد علي ابنه طوسون باشا بجيش عرمرم ضخم من مصر إلى البلدان النجدية، حيث سالت الدماء أنهاراً، وتغلبت القوة الغاشمة في النهاية على الدعوة الصحيحة، وقُتِلَ من قُتِل. وكان من جملة وسائل الأتراك في تلك الحرب كما هو اليوم تماماً في الدعاية التي لها تأثير أكثر من السلاح نفسه. فبثوا دعاية في العالم الإسلامي ضد أهل نجد حتى يكونوا مع الأتراك وينفضوا عن هذه الدعوة الحبيبة الفتية التي تدعو إلى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؛ فأذاعوا في المسلمين أن النجديين لا مذهب لهم، بل مذهبهم خامسي، لا يتورعون عن التَّقول على الرسول صلى الله عليه وسلم - ذكر الشيخ الألباني هنا قولاً تقوَّله الأتراك على لسان أهل نجد، لا أجرؤ على ذكره لبشاعته - كله كفر وزور وبهتان. فتأثرت الجماعات المسلمة في كل بلاد الدنيا، وكان من تمام التأثر والخطأ أن سموا أهل نجد ب"الوهابية". وعلى كل حال "الوهابية" نسبة إلى "وهابي"، و"وهابي" نسبة إلى "الوهاب"، الذي هو الله تبارك وتعالى. فهذه نسبة تُشَرِّف من ينتسب إليها، لا تُحَقِّره. لكنها السياسة التركية الغاشمة، خاصة أن معظم المنتسبين إليها لا يجيدون اللغة العربية، فأصبحت كلمة "وهابي" في ذلك الوقت تساوي كلمة "زنديق".. فمضى زمن طويل والعالم الإسلامي مُضَلَّلٌ بهذه الكلمة، إلى أن شاء الله تبارك وتعالى، فجاء الملك عبدالعزيز آل سعود ودخل الرياض فاستعاد حكم آبائه وأجداده، وبدأ يطبق الأحكام الشرعية، فاستقر الأمن في البلاد النجدية بعدما شاعت فيها السرقة والنهب والسلب والقتل؛ وتبع ذلك استقرار الأمن في البلاد الحجازية التي كانت، كما نعلم جميعاً من التاريخ التركي نفسه، أن الحجاج لم يكونوا ليستطيعوا الحج إلا ومعهم عسكر من الأتراك يحمونهم من اللصوص وقطاع الطرق؛ فأصبح الحجاج في زمن الملك عبدالعزيز يؤدون مناسكهم بكل سهولة ويسر).. انتهى حديث الشيخ الألباني. أقول: لم تألُ الدولة التركية جهداً في محاربة الدولة السعودية وعقيدتها السلفية الصحيحة الخالصة، تارة باللسان وأخرى بالسِّنان كما تقدم، منذ بزوغ فجرها الأول، بهدف القضاء عليها، كما يؤكد رد محمد علي باشا على رسل الإمام الشهيد عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، آخر أئمة آل سعود في الدولة السعودية الأولى، إذ يقول: (يتعهد محمد علي باشا بالقضاء على الدولة السعودية وتحطيم الدرعية في الوقت المناسب)، تنفيذاً لأجندة الباب العالي بإسقاط الدرعية والقضاء على الدولة السعودية وأئمتها وعلمائها الذين أقلق نجاحهم في خدمة الحرمين الشريفين وانتشار دعوتهم في ترسيخ الإسلام الصحيح الذي يستند إلى التوحيد وينبذ كل ما عداه من مظاهر الشرك والوثنية، أقلق الدولة العثمانية التي كانت تستغل جهل الناس بالعقيدة الصحيحة لضمان ولائهم. وهكذا سقطت الدرعية في 9 /9 / 1818م، وما أعقب ذلك من أحداث إثر سقوط الدولة السعودية الثانية واستغلال الدولة العثمانية ما ترتب عليه من فراغ سياسي لدعم كيانات موالية لها، معروف لدى الجميع، فلا حاجة لي بتكراره؛ غير أنني أردت الإشارة هنا إلى أن هذا الفهم السقيم العقيم نفسه ما زال راسخاً في أذهان أعداء الدعوة السلفية للأسف الشديد، حتى في أيام الملك عبدالعزيز، مع أن الدولة العثمانية كانت تنازع الرمق الأخير قبيل أفول نجمها، فوضعت كل ما استطاعت من عراقيل أمام مسيرته الظافرة، تارة بالإيعاز إلى زعماء المشيخات والإمارات التي تدعمها لطلب النجدة من عبدالعزيز بهدف تبديد جهده وتشتيت تركيزه أثناء حروب توحيد البلاد، وأخرى بدعم مناوئيه صراحة بأسلحة نوعية لم تكن متوافرة لعبدالعزيز، كما حدث في حرب البكيرية والشنانة مثلاً العام 1322ه/ 1904م؛ فانتصر الحق رغم أنف القوة التركية الغاشمة، مما حدا بالشاعر محمد بن عبدالله العوني لرفع عقيرته منشداً إحدى أشهر قصائد العرضة السعودية حتى يومنا هذا، إذ جاء فيها قوله: مني عليكم ياهل العوجا سلام واختص أبو تركي عمى عين الحريب اكرم هل العوجا مدابيس الظلام هم درعك الضافي إلى بار الصِّحيب فكان الملك عبدالعزيز يتأثر كثيراً بتلك القصيدة الشهيرة، فينزل إلى الساحة ملوحاً بالسيف يشارك الفرسان العرضة كلما شدا بها شادٍ؛ والحال كذلك يقال اليوم عن سيِّدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك الأديب الأريب المؤرخ الفذ سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه وسدَّد على طريق الخير خطاه - أعرفنا بعبدالعزيز وتاريخه الناصع المشرق وأكثرنا به شبهاً، مستودع تاريخنا وأمين إرثنا الحضاري. ولهذا فما أن يسمع مقامه السَّامي الكريم نخوة أهل العوجا في أي مناسبة احتفالية، حتى تتداعى تلك الذكريات الحبلى بالعزم الأكيد والبطولات أمام ناظريه، فتتغير قسمات وجهه الصبوح فينادي: إليَّ بالسيف؛ ثم ينزل إلى الساحة يشارك الجميع تلك العرضة السعودية الأشهر التي تحمل كثيراً من المعاني والدلالات، التي لا يدركها أحد اليوم مثلما يدركها سلمان. وصحيح، تلك صفحة من التاريخ قد طُوِيَت، أو هكذا يُفْتَرَض أن تكون؛ لكن للأسف الشديد، ما زالت تلك الأفكار التي عفا عليها الزمن تعشِّش في ذهن القيادة التركية حتى اليوم، فحيناً تصفنا ب(الوهابية)، وتصنفنا حيناً آخر مع الجماعات التكفيرية الإرهابية المتطرفة، حتى مع يقينها التام بجهدنا معها هي نفسها الذي لا يدانيه جهد في محاربة الإرهاب حيثما كان.. ذلك الجهد الفريد الاستثنائي الذي تمخض عن تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب والتطرف في العالم، ودعمه بمئة وعشرة ملايين دولار، شكرتنا عليه حتى الأممالمتحدة، وحمده لنا العالم أجمع.. فبكم دعمته تركيا يا ترى؟!. ومع كل هذا، ما تزال قيادتنا الرشيدة الحكيمة، التي عُرِفت بسعة صدرها وحرصها على الاحتفاظ بعلاقات وديَّة متينة مع الجميع، لاسيَّما إخوة العقيدة والعروبة، ونأيها بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة في العالم، ما زالت قيادتنا - أيَّدها الله - تراهن على عدم السماح لأي جهة كانت بدق إسفين بين المملكة وتركيا. لكن للأسف الشديد، ها هي القيادة التركية تستغل ظرفاً إنسانياً مؤلماً لنا جميعاً لتدق في كل يوم إسفيناً في علاقتنا معها. وكلنا يعلم أنها وعلماءها وأصحاب الرأي فيها، كلهم يدركون يقيناً أن الحقيقة غير ما يروجون له، سيراً على درب الدعاية العلية العثمانية المغرضة في تضليل الرأي العالمي تجاهنا، بدليل ما شهد به شاهد منهم، إذ أكَّد المؤرخ التركي جودت، الذي عرف بعدائه السافر للدعوة السلفية، في تعليقه على حقيقة الرسائل التي كُتِبَت والكتب التي أُلِّفت لمناقضة الدعوة السلفية، موجهاً حديثه لجماعته الأتراك: (الرَّد على "الوهابية" يستوجب ثقافة واسعة، ومعرفة بأحوال البلاد العربية الدينية والاجتماعية والسياسية، ووقوفاً على علوم الدِّين، واطلاعاً واسعاً على الحركات الفلسفية، ومقدرة على الجدل والإقناع.. وكل ذلك مفقود عند العلماء الذين ردُّوا على "الوهابية"، فكل ردودهم مشحونة بالسخف والهراء، فقدموا بذلك وسيلة للسخرية منهم ومن ردودهم).. وقطعاً صدق الرجل في هذا، ف"الوهابية" التي حاولوا إلصاقها بالدعوة السلفية هي شيء من نسج خيالهم؛ فليست الفكرة السلفية ديانة جديدة أو مذهباً خامساً محدثاً كما أشاع الخصوم، بل هي ثمار جهود صادقة مخلصة، تنادي بالعودة إلى نموذج بساطة الإسلام، والنهل في التشريع من نبعه الصافي، كما تدعو إلى حركة تطهير شاملة لكل ما علق بالمعتقد الديني من شرك وبدع وضلال وزيغ، أدت كلها إلى تشويه حقائق الإيمان، وأبعدت أبناءه عن قوة التزامه معتقداً وسلوكاً؛ كما دعت الدعوة السلفية إلى ضرورة فك الارتباط بين التقيد بالمذهب والأخذ بما يؤيده الدليل وعدم الجمود والتعصب لمذهب واحد، ومد الجسور لتعايش فقهي قائم على البرهان والدليل بين المذاهب كافة؛ ويقول الإمام محمد بن عبدالوهاب مؤكداً هذا: (نحن بحمد الله متبعون لا مبتدعون، وعقيدتي وديني الذي أدين لله به، هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، ولست أدعو إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم كابن القيم وشيخه، أو الذهبي، أو ابن كثير وغيرهم).. تلك إذاً هي حقيقة دعوتنا التي ابتدعوا لها وصفاً ظالماً مغرضاً (الوهابية) لشيء في نفس يعقوب. وعلى كل حال، ليس الأتراك وحدهم، بل إن الغرب ما زال متأثراً حتى اليوم أيضاً بتلك الدعاية التركية المغرضة، فينظر إلينا أصحاب عقيدة تكفيرية مخالفة للإسلام الصحيح، تجيز العنف والقتل والخراب والدمار وجز الرؤوس. وهنا أجدني الحقيقة عاتباً أشد العتب على وزارتي الثقافة والإعلام، لاسيَّما الإعلام الخارجي الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة في تصحيح هذه الصورة الذهنية السلبية النمطية عن الموحدين. وأدرك يقيناً أن المهمة ليست سهلة، غير إنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة. وصحيح، الكتابة في الصحف مهمة، والعمل عبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها في غاية الأهمية، خاصة في هذا العصر الذي تطالعنا فيه التقنية بشيء مختلف مع بزوغ كل فجر جديد؛ لكن هذا لا يغني عن بذل جهد حقيقي شاق، جنباً إلى جنب مع وزارة الثقافة. وقد دعوت مراراً لتأسيس مراكز إشعاع ثقافية في كل عواصم العالم - أسوة بالغرب الذي له في كل مكان مركز ثقافي، هو في الحقيقة إرسالية تبشيرية تنشر الديانة المسيحية - وإثرائها بكتب تاريخنا وثقافتنا بلغة أهلها، وإرسال علمائنا ودعاتنا لإقامة ندوات ومحاضرات وتقديم دروس هناك؛ بل تأسيس أكثر من مركز أحياناً في المدينة الواحدة من تلك المدن الكبيرة، خاصة في البلدان الغربية والإفريقية التي لم يستطع كثير من أهلها التفريق بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبين عبدالوهاب بن عبدالرحمن رستم، الإفريقي المغربي الخارجي، الذي تُنْعَتُ جماعته ب(الوهابية) أيضاً، فضلاً عن تأثر كثير منهم بالدعاية التركية التي سبقت الإشارة إليها. فإن كان الغرب قد نجح كثيراً في نشر عقيدته حتى بين المسلمين أنفسهم، خاصة في الدول الإفريقية الفقيرة، فهل عجزنا نحن يا ترى على مدى ثلاثة قرون عن تصحيح ذلك المفهوم المغرض الخاطئ عن دعوتنا ورسالتنا في الحياة؟ وعلى كل حال، أرى أن الأمر أصبح اليوم ضرورة قصوى، لاسيَّما مع توافر هذه التقنية الجديدة في الاتصال التي قطعاً تساعدنا كثيراً في إنجاز المهمة. وعليه، أناشد أخي صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن محمد الفرحان، وزير الثقافة، وأخي الأستاذ تركي بن عبدالله الشبانة، وزير الإعلام، العمل معاً يداً واحدة لتصحيح هذه الصورة الذهنية النمطية الخاطئة عن عقيدتنا التي هي معتقد السلف الصالح والصدر الأول. وصحيح أيضاً أن كل ما نجده من أعدائنا اليوم لا يثني لنا عزماً، ولا يفت لنا عضداً، ولا يوقف لنا مسيرة، لكن هذا لا يعفينا مما ينبغي علينا فعله من واجب مقدس، خدمة لقافلة خيرنا القاصدة إلى الأبد إن شاء الله.