مالطا واحدة من أصغر دول العالم.. لا يتجاوز سكانها 416 ألف نسمة (أقل من سكان ينبع) ولا تزيد مساحتها على 316 كلم2.. مجرد جزر صغيرة في البحر الأبيض المتوسط لا تملك موارد ولا جيشا ولا صناعات متقدمة.. ومع هذا تملك مكانة عالمية وحصانة عسكرية لا تتوفر لدول بحجم إيران وأفغانستان والدول العربية مجتمعة.. ففي عام 2004 تم قبولها ضمن الاتحاد الأوروبي ودخلت بذلك ضمن حلف عسكري يتضمن 28 دولة، و500 مليون إنسان، ومساحة تتجاوز 4,475,000 كلم2.. وفي المقابل هناك قطر التي فعلت العكس، وانسلخت طواعية عن محيطها الخليجي والعربي والإسلامي.. فهي في الأصل دولة صغيرة (مثل مالطا) ولكنها (بعكس مالطا) لا تملك وزناً دولياً ولا تحالفاً سياسياً مؤثراً.. فقدت روابطها مع أشقائها الخليجيين وانكمشت إلى أقل من حجمها وتأثيرها القديم.. خسرت سندها العربي وعمقها الاستراتيجي بفضل سياسات صبيانية لا هم لها غير مخالفة السياق ولفت الانتباه وتضخيم الهوية. حصدت في النهاية عزلة عربية ودولية، كان آخرها خروجها من منظمة أوبك وخسارتها صوتاً مؤثراً في أسواق النفط (رغم أن عائداتها النفطية تقل عن ميزانية شركة الاتصالات السعودية). ليس عيباً أن تكون الدولة صغيرة أو غير مؤثرة (ففي العالم 19 دولة تقل مساحتها عن قطر) ولكنها أن تكون غير مؤثرة وبهذا التعنت والصفاقة فهذا هو الخطير فعلاً. أنا شخصياً مصدوم من عدم رؤية النظام القطري لما يحدث على أرض الواقع.. كنت أتمنى أن يرجح مصالح شعبه على مصالح شرذمة قليلة من قيادات الإخوان، ومن هربوا من أوطانهم بعد خرابها.. أن يعيد حساباته بخصوص قناة الجزيرة ويحسب كم كسب وكم خسر جراء وجودها على أراضيه.. تخيل كيف سيكون رد فعل الدول الأوروبية في حال تمردت مالطا على مبادئ الاتحاد الأوروبي، والأسوأ في حال تحولت لملاذ آمن للمنظمات الإرهابية التي تستهدفه. غير أن مرور الأيام يؤكد أن مالطا ليست قطر، وأن الأخيرة تزداد انكماشاً وانسلاخاً من كافة الروابط التي تمنحها وزناً إضافياً.. وفي حين لا يمكن لأي قوة عالمية التعرض اليوم لمالطا (بفضل روابطها القوية مع الاتحاد الأوروبي) لا يمكن لأي قوة عالمية مستقبلاً انتشال قطر من عزلتها الدولية وتحولها بالتدريج لجزيرة منسية.